حضرموت والمهرة… شروقٌ سياسي يتجاوز ثلاثة عقود من الظل

بقلم / د. عامر الحريري
اليوم لا تستيقظ حضرموت والمهرة على روتينٍ سياسي بارد، بل على تحوّل جيواستراتيجي طال انتظاره؛ تحوّلٌ أنهى كابوساً سياسياً وأمنياً ظلّ جاثماً على صدريهما منذ حرب صيف 1994، حين تحوّلت فكرة الوحدة من مشروع تاريخي إلى مظلة قسرية شرعنت اقتحام الجغرافيا الجنوبية وإخضاع الإنسان باسم “الجمهورية اليمنية”.
استطاعت حضرموت والمهرة أمس أن تزيح – وبكلفة تضحيات جنوبية – القوة التي فرضت وجودها بقوة السلاح طوال واحد وثلاثين عاماً. قوة لم تتورّع عن تصوير نفسها وصيّاً على البلاد حتى بعد سقوط الشرعية المركزية نفسها في 21 سبتمبر 2015، يوم ابتلعت المليشيا العاصمة وأعلنت دستورها الموازي، في مشهدٍ كان كفيلاً – وحده – بدفن آخر ما تبقى من المشروعية السياسية للدولة الاتحادية المفترضة.
والأدهى من ذلك أن ثمة من ما يزال يعتنق سرديات الماضي، ويرثي سقوط منظومةٍ لم تعد قائمة أصلاً، متجاهلاً أن الوعي السياسي الجنوبي الحديث لم يعد يقبل تبرير الاحتلال الداخلي ولا تقديس خرائطٍ وُلدت من المغالبة لا من التوافق. إنها حقاً مفارقة صادمة: أصوات تُحسب على النخب الثقافية والفكرية الشمالية، لكنها ما تزال حبيسة منطق “الشرعية المتخيلة”، عاجزة عن قراءة اللحظة التاريخية، بل أشدّ عجزاً عن احترام فرح شعب الجنوب.
إن تحرير حضرموت والمهرة ليس مجرد حدثٍ أمني، بل انعطافة تاريخية تعيد تعريف معادلات السلطة والهوية والانتماء. إنها خطوة تصنع فاصلاً بين زمنين:
زمنٍ كانت فيه المحافظات الشرقية مجرد هامشٍ “إداري” في الدولة المركزية، وزمنٍ جديدٍ تستعيد فيه تلك الجغرافيا حقها الطبيعي في تقرير مصيرها الأمني والسياسي في جنوب فيدرالي وفق منطق العصر ومتطلبات الأمن القومي المحلي والإقليمي.
أما أولئك الذين يلوّحون بالوحدة كتعويذة سياسية رغم سقوط مشروعها، فالأجدر بهم أن يصمتوا احتراماً للواقع الجديد، لا أن يتقمصوا دور “المحزونين في زمن الفرح”. فلا يليق بهم أن ينازعوا شعباً حقّه في الاحتفاء بإنجازٍ تحرري طال انتظاره، ولا أن يطالبوا الآخرين بالتماهي مع حزنٍ لم يعد له مبرر سياسي ولا أخلاقي.
ولعلّ أجمل ما يعيد التوازن إلى المشهد أن حضرموت والمهرة اليوم لا تحتفلان فقط بانتهاء مرحلة، بل بتدشين خطاب سياسي جديد يضع مفهوم “الحرية اغلى ثمن ينتزع في الوجود”.