اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
تحقيقات

“توماهوك” على أعتاب موسكو.. هل نعود إلى كوبا 1962؟

 

النقابي الجنوبي/خاص/هشام صويلح

هل يُعيد تهديد روسيا بالرد النووي على توريد صواريخ “توماهوك” الأمريكية لأوكرانيا عقارب الساعة إلى أكتوبر 1962؟
هل نقف اليوم، بعد أكثر من ستة عقود، على حافة مواجهة نووية جديدة بين قوتين عظميين، لكن بمسرح مختلف: من كوبا إلى كييف؟

السؤال لم يعد نظريًا. ففي 13 أكتوبر 2025، أعادت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إمكانية تزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك” بعيدة المدى – القادرة نظريًا على حمل رؤوس نووية – إشعال شرارة التوتر الاستراتيجي الأعلى بين موسكو وواشنطن منذ الحرب الباردة. وردّ الكرملين بلهجة لا تخلو من الرجفة النووية: تحذيرات من ديمتري ميدفيديف بأن “العواقب ستكون كارثية… أولاً على ترامب نفسه”، وتأكيد من ديمتري بيسكوف أن تشغيل هذه الصواريخ “يتطلب خبراء أمريكيين”، ما يعني أن واشنطن ستكون طرفًا مباشرًا في أي ضربة قد تستهدف أراضي روسيا.

هنا يكمن جوهر المأزق: روسيا لا ترى فرقًا بين صاروخ تقليدي وآخر نووي إذا كان مصدره أمريكا ووجهته موسكو. وعقيدتها النووية المعدّلة تمنحها “الحق” في الرد نوويًا إذا استُخدمت أسلحة غربية ضد أراضيها – حتى لو كانت تقليدية. ومع ذلك، يلفت المراقبون إلى تناقض صارخ: فموسكو لم ترد نوويًا عندما استخدمت أوكرانيا صواريخ “أتاكامز” أو “ستورم شادو”، بل حتى عند تسلم كييف مقاتلات “إف-16” القادرة على حمل أسلحة نووية. هذا يشير إلى أن التهديد النووي، في جوهره، أداة ردع سياسية أكثر من كونه خطة عسكرية جاهزة.

لكن لماذا الآن؟
لأن “توماهوك” ليست مجرد صاروخ. إنها رمز للقدرات الاستراتيجية الأمريكية، ووصولها إلى أوكرانيا يعني اختراقًا نوعيًا لخط التماس الجغرافي والنفسي الذي حاولت روسيا رسمه منذ بدء حربها. فبينما كانت الأسلحة السابقة محدودة المدى أو دفاعية، فإن “توماهوك” – بقدرتها على ضرب عمق روسيا بدقة عالية – تقلب المعادلة. ولهذا، فإن الرد الروسي المتوقع لن يكون نوويًا بالضرورة، بل تصعيديًا غير مباشر: تعزيز التعاون العسكري مع إيران وكوريا الشمالية، وتزويدهما بتقنيات متقدمة كـ”ورقة ضغط” على واشنطن.

في المقابل، يسعى زيلينسكي إلى استغلال هذا التصعيد لتعزيز موقفه في واشنطن، حيث سيبحث “قدرات الضربات بعيدة المدى” و”حماية البنية التحتية”، في لقاء قد يُعقد مع ترامب الجمعة. وتدعمه أوروبا، على لسان كاجا كالاس، التي ترى أن “المساعدة الآن أرخص من إعادة الإعمار لاحقًا”.

الدرس الأهم من أزمة كوبا 1962 لم يكن في قوة التهديد، بل في القدرة على التراجع دون خسارة الوجه. اليوم، لا يبدو أن أيًا من الطرفين مستعد للقيام بذلك. لكن الفارق الجوهري هو أن العالم لم يعد ثنائي القطبية، والنووي لم يعد حكرًا على القوتين العظميين. وفي هذا السياق، قد لا تكون “توماهوك” مجرد سلاح… بل شرارة قد تشعل ما لا يُطفأ.عودة الأشباح… أم درس لم يُتعلّم؟

الخطر الحقيقي لا يكمن في احتمال استخدام السلاح النووي، بل في الاعتقاد الخاطئ بأن التصعيد يمكن التحكم به إلى ما لا نهاية. كوبا 1962 أنقذها التواصل الخفي والحسابات الباردة. أما اليوم، فالتغريدات، والتصريحات عبر “ماكس”، وحسابات الانتخابات قد تكون أخطر من الصواريخ نفسها.

زر الذهاب إلى الأعلى