اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

على حافه الـتيه

على حافه الـتيه

بقلم / ماهر العبادي ابو رحيل

ما زلتُ شخصاً تائهاً،أحملُ في داخلي ارتباك العابرين في ليلٍ بلا نجوم، أُحاول لملمة شتاتي بصمت ثقيل، كأن الصمت نفسه حِمل آخر يضغط على صدري، يمنعني من الانهيار، لكنه لايمنحني الطمأنينة.
الأفكار في رأسي تتناوب على إنهاكي كأسرابِ غربانٍ تُحلق فوقي بلا رحمة، لا أملكُ لها درباً للخروج،ولا باباً أُغلقه لتسكن.
وكلما حاولت أن أزيحها، عادت بوجهٍ آخر، أشد قتامة وأقسى وقعاً.
لا جديد في أيامي،سوى تراكم توقعات تتكاثر كالعشب البريّ، وأحلامٍ مُعلّقة في سقف القلب، لا تنمو ولا تذبل، تظل بين الحياة والموت،كأطفالٍ ولدوا في زمنٍ خاطئ.
أما الذكريات،فهي أشباح تستيقظ كلما أغمضت عيني، تلوح لي في أفق ليلي، لا تستكين ولا تتركني، كأنها وجدت لتذكرني دائماً أنني لم أبرأ بعد، أنني لا زلت حبيس ما مضى،مقيداً بخيوط غير مرئية، لكنها أمتن من كل سلاسل الأرض.
أقفُ الآن في منتصف الطريق،لا إلى الأمام أستطيعُ المسير،ولا إلى الوراء أملكُ الجرأة على الرجوع.
أتأمل وجهي في مرآة الروح،فأراه شاحباً، مثقل النظرات،أحمل من الأسئلة أكثر مما أحمل من الأجوبة، ومن الحيرة أكثر مما أحمل من اليقين.
أتساءل:
هل المضيّ قدماً شجاعة أم حماقة؟
وهل التوقف استسلام أم حكمة؟
أأنا أسير نحو غاية مجهولة، أم أن كل ما كان وما سيكون،مجرد وهم نسجه قلبي ليتخفف من وطأة الواقع، ولكي يخلق لنفسه مبرراً للانتظار؟
أحياناً أظنني على مقربة من اليقين،
لكن ما إن أمد يدي لأمسكه،حتى يتبخر كسرابٍ في صحراء، يتركني أكثر عطشاً، وأكثر ضياعاً.
وأحياناً أجدني أشتاق إلى السكون،
إلى هدنة صغيرة مع ذاتي،إلى لحظة أضع فيها رأسي دون أن يطاردني سؤال:
إلى أين؟ ولماذا؟ وكيف؟
أشتاق إلى صدري بلا أثقال،إلى ذاكرة تُسامحني وتتركني وشأني،إلى قلبٍ
لا يرهقه الحنين،ولا يجرحه التوقع، ولا يخذله الغد.
لكنني رغم كل هذا ما زلت واقفاً،
كجذع شجرة أكلتها الرياح،لكنها لم تقتلعها بعد.
ما زلتُ أتشبث بخيطٍ رفيع من أملٍ لا أراه،
لكنني أشعر بوجوده في أعماقي،
كأنه النبض الأخير الذي يثبت أنني حي.
ربما لم أعد أبحث عن الطريق،
بل عن معنى لرحلة التيه ذاتها،
عن سبب يجعل الوقوف في المنتصف

أمراً محتملاً لا قاتلاً.
فما أقسى أن تعيش نصف حياة،
بين نصف بداية ونصف نهاية،بين نصف أملٍ ونصف خيبة،كأنك عالق في هامش الحكاية،لا أنت بطلها ولا أنت عابرها،
بل ظل يبحث عن ذاته، وصوت يختنق قبل أن يصير صدى.

زر الذهاب إلى الأعلى