تعرف من هو اسرائيل؟ ومن هم بنو اسرائيل؟ ولماذا خاطبهم الله بهذا الاسم؟.. وهل صدق قادتها وتنبؤاتهم بزوالها؟

النقابي الجنوبي /رصد ومتابعة /صالح الضالعي
واخيرا رحلوا من ارض مقدسة، حملوا امتعتعهم فوق ظهورهم كالحمار يحملو اسفارا، شردوا من ديارهم بعد ان كانوا يضنون بأنها امنة، معركة اسميت بالطوفان اظهرت حقيقة قوة جيش كانوا يقولوا عنه بانه جيش لايقهر، لقد قهر اليوم ومازالت السفينة في مراحلها الاولى ولم تنتهي بعد. ولكنها حتما ستغرق عندما يأذن الله بغرقها، امهلهم الله ولكنهم لم يشكروه بل ان نعمته عليهم حسبوها ذكاء لعقولهم الخارقة.. اية الله اليوم اقتضت اعطائهم قبصة في الاذن، فانطلقت معركة طوفان «الاقصى»
حلم ام خيال، رحيل او فرار، نزوح ام هروب ، تلك الاحداث التي شكلتها مؤخرا معركة( طوفان الاقصى) ارتسمت في الاذهان وعلى عقول الاجيال المعاصرة، ولو بعد حين فإن زوال اسرائيل قدرا مكتوبا في اللوح المحفوظ.. ولا حذر من قدر، لقد شاءت الاقدار ان تعلمنا كمسلمين درسا مفادها بأن قوة الله تعلو ولا يعلى عليها.. فمنذ خلق الله الارض ومن عليها، كان الدرس للخليقة الادمية بأن قتل قابيل يقتل هابيل، ورغم بشاعة الفعل الا ان الاخ القاتل لم تتملكه الشفقة والرحمة لفعلته لكي يعوضها في دفن اخيه الضحية.. بعث الله غرابا ان يواري سؤته، وتلك عظة وعبر للانسان.
يَنبغي لنا أن نقف على حقيقة أو مَضمونٍ مِن مَضامين هذا الصِّراع بين الحقِّ والباطل، ونقف مع آيات القرآن الكريم، والتي تَلفِت النَّظَر إلى العديد مِن الآيات التي تتحدَّث عن اليهود أو “بني إسرائيل”، فالقرآن الكريم تناول “بني إسرائيل” في آيات كثيرة، حتى قيل: إن أحدًا لم يُذكَر في كتاب الله لا مِن الأنبياء ولا مِن المُرسَلين ولا من الملائكة المقرَّبين، كما ذُكر موسى – عليه السلام – في كتاب الله، فقد ذُكر نحو مائة وثلاثين مرةً، كما أن قصة بني إسرائيل تكرَّرت في القرآن الكريم كما لم تتكرَّر قصة أخرى عن الأمم الأولى، عن الأقوام الذين تلقَّوا الوحْي واستمَعوا إليه، إما استماع طاعة أو استِماع مَعصِيَة، لا بدَّ أن يكون لهذا التَّكرارِ سببٌ، ولا بدَّ أن يكون لهذا التناوُل المُستمِر مِن حِكمَة قصَد إليها الشارعُ الحكيم.
مَن هو إسرائيل؟ ومَن هم بنو إسرائيل؟ ولماذا خاطَبهم الله بهذا الاسم؟
يقول ابن كثير في تفسيره: إن إسرائيل هو نبي الله يعقوب، ويُناديهم الله بأبيهم كأنه يقول لهم: يا بني العبد الصالح المُطيع لله، كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق، كما تقول: يا بن الكريم، افعل كذا، يا بن الشُّجاع، بارِز الأبطال، يابنَ العالِم، اطلب العِلم ونحو ذلك، ومِن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]، فإسرائيل هو يعقوب، والدليل على ذلك ما رواه ابن عباس قال: حضرتْ عِصابة مِن اليهود نبيَّ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لهم: ((هل تعلمون أنَّ “إسرائيل” يعقوب؟))، قالوا: اللهم نعم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم اشهد))، وقال ابن عباس: إن إسرائيل كقولك: “عبدالله”[1].
ما هي العبرة مِن تكرار هذه القصة في القرآن؟
يجيب عن ذلك السؤالِ الشيخُ محمد الغزالي – رحمه الله – فيقول: لا بدَّ أن يكون لهذا التَّكرار سبب، ولا بدَّ أن يكون لهذا التناول المُستمِر مِن حِكمة قصَد إليها هذا الشارع الكريم، ولقد اجتهَدْنا في معرفة الحِكمَة وتَلمُّسِها مِن مظانها الكثيرة، فوجدنا أن القرآن تحدَّث عن بني إسرائيل في مراحلِ تاريخِهم؛ فمرة يَتناولهم بالمدح وإعلاء الشأن والتنويه بالمكانة، ففي سورة الدخان يقول ربُّ العِزَّة: ﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الدخان: 30 – 32]، فقد كانوا ذات يومٍ الشَّعبَ المُختار، وأن اختيارَهم لم يكن عن مُجازَفة أو عن إيثار فيه محاباة، بل اخترناهم على عِلم، وفي سورة الجاثية يقول – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [الجاثية: 16، 17].
وفي آيات أخرى يذمُّهم المولى – تبارك وتعالى – فقال – جلَّ شأنه -: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأعراف: 167].
ومِن الغباء أن يحسب أهل جيلٍ أن الفلك سُمِّر، وأن مَن ارتفع اليوم ستبقى رفعته له غدًا، ومِن الغباء أن يظن الناس أن كتاب التاريخ صَفحة واحدة تبقى ماثلة أمام الأعين، إن التاريخ صَفحات مُتتابِعة، يُطوى منها اليوم ما يُطوى، ويُنشر منها غدًا ما يُنشَر! هنا ما بدٌّ من أن نفهَم العِبرة، العبرة أن الله – جل شأنه – يختبر بالرفعة والوضاعة، يَختبِر بالزلزلة والتَّمكين، يَختبر بالخَوف والأمن، يَختبِر بالثروة يُعطيها وبالفقر يُرسله، يَختبِر بالضَّحِك والبكاء؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴾ [النجم: 42 – 44]، يَختبر بالأمرَين، وعندما يَختبر هو عالم بخلقه، ولكنَّ القاضي لا يَحكم بعِلمه؛ إنما يَحكم بين العباد بما يَظهر مِن أمرِهم؛ حتى تَنقطِع الأعذار، وتخرس الألسنة التي مرنَت على الجدل؛ فإن ناسًا سوف يُبعثون يوم القيامة وهم مُشركون ويقولون لله: ﴿ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 23]، فما بدٌّ مِن إقامة الدليل على الناس مِن عملهم هم، يُعطي المال ويقول لصاحبِه: أعطيتُك المال، لا لأنكَ عَبقري؛ لأن عباقرةً يمكن أن يموتوا جوعًا! ولكني أعطيتك المال؛ “أختبرك”! نجد اقتصاديًّا كبيرًا مثل قارون يُقال له: إن الله موَّلك ومنَحك، اعرف حقَّ الله فيما آتاك، اتَّق الله فيما بسط عليك مِن رزق، اطلب الآخرة بما أوتيت في الدنيا، لا تنسَ الله، يَضيق الرجل بالله وذِكر الله ورقابة الله وتقوى الله، ويقول لهم: ما هذا بعطاء الله، هذه عبقريتي أنا! ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، هذا المال لم يأتِني مِنحَة مِن السماء، ذكائي وعبقريَّتي وتَجربتي وخبرتي بشؤون الأسواق والمال هي التي جعلتني ذلك، فكان هذا الشعور بدايةَ الدمار الذي طواه؛ ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81]، هذا اختبار سقَط فيه رجلٌ مِن بني إسرائيل.
اختبار آخَر لرجل مِن بني إسرائيل، هو “سليمان”، اختبار بالسلطة؛ فإن سليمان وهو في فلسطين طلَب أن يُجاء له بعرش بلقيس، وجيء له بعرش بلقيس، ونظَر الرجل العظيم فوجد أن سلطانه واسع، وأنه أوتي بَسطةً في القوة غير عادية، فهل اغترَّ؟ لا، تواضَعَ لله، وقال: ﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40]، الحقيقة أنه بالنسبة للأفراد والجماعات، كلُّنا يُختبَر.
القيادات الإسرائيلية وتتبؤاتها بانهيار دولتهم.
في رد فعلها الهستيري على خسائر اليومين الأولين من حرب أكتوبر 1973 عبرت رئيسة الوزراء غولدا مائير عن خوفها بالقول “هذا خراب الهيكل الثالث”، مستحضرة نبوءة قديمة عن زوال الممالك اليهودية.
وتؤمن أغلبية القيادات الإسرائيلية والجمهور الإسرائيلي بلعنة عقد الثمانين، حيث تشير الروايات الإسرائيلية إلى أن أغلبية ممالك بني إسرائيل بعد النبي سليمان انهارت خلال العقد الثامن، فيما سيحل هذا العقد الثامن سنة 2027، أي أن عمر إسرائيل لن يدوم أكثر من 80 عاما وسيكون قبل 14 مايو/أيار 2028، إذ تأسست إسرائيل يوم 14 مايو/أيار 1948.
ويشير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك نفسه إلى ذلك بقوله في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت “على مر التاريخ اليهودي لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن، ويتوجب استخلاص العبر من التشرذم والانقسام اللذين عصفا بممالك اليهود السابقة، والتي بدأت بالاندثار على أعتاب العقد الثامن”.
وإذا كانت هذه النبوءة تعيد الانهيار إلى أسباب داخلية فإن الأزمة غير المسبوقة التي تشهدها المؤسسات الإسرائيلية في ظل حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة والانقسام غير المسبوق في المجتمع الإسرائيلي وحالة التوتر والإحباط والخشية من “تفكك الهوية” والقلق الوجودي، إضافة إلى الحرب بمفاعيلها غير المسبوقة تدفع الإسرائيليين إلى البحث عن ملاذات أخرى آمنة، ومن المرجح أن ترتفع موجات الهجرات العكسية بوتيرة غير مسبوقة بناء على تلك النبوءات التي تثير رعب الإسرائيليين والتي يعززها الواقع.
ويشير الباحث الفلسطيني جورج كرزم في كتابه “الهجرة اليهودية المعاكسة ومستقبل الوجود الكولونيالي في فلسطين” الصادر عام 2018 إلى أن “أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين قد أعلنوا في ظروف سلمية أنهم يفكرون بترك إسرائيل، وأن نحو 70% من الإسرائيليين يتوجهون للحصول على جنسية أخرى أو فكروا في ذلك”.
أما في ظروف الحرب -مثل التي تجري حاليا- أو في ظروف مواجهة طويلة الأمد مع إسرائيل وفقدان أسباب البقاء فإن هذا العدد سيتضاعف، وفي حال نفّذ نصف العدد المذكور فكرتهم في الهجرة العكسية فإن إسرائيل ستفقد عمليا ربع سكانها على الأقل، مما يعني تآكل إسرائيل وتفوق عدد السكان العرب تدريجيا بفعل الزيادة السكانية المرتفعة لديهم.
وقد نجحت عملية “طوفان الأقصى” -كما كل الحروب السابقة- في كشف عوامل القصور والضعف في بنية إسرائيل بتهشيم الواجهة الهشة التي كانت تعتمد عليها، وبفعل صدمة 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري العسكرية وتفاقم المشاكل الداخلية ونزيف الهجرة العكسية تذهب إسرائيل إلى الفراغ، فلا استقرار ولا أمن ولا ازدهار يدعو للبقاء، وفي ذلك زيادة لعوامل الانهيار الداخلي لبنية وجودها الأساسية.