اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
ساخن

بين الحكمة الزائفة وخيانة السيادة.. «النقابي الجنوبي» يُفكك خطاب بن ( دغر ) المدافع عن الحوثيين

النقابي الجنوبي/خاص

لماذا يدافع د. أحمد عبيد بن دغر عن قرار تسليم طائرة سيادية للحوثيين؟
لماذا يُبرر تسليم ممتلكات الشعب للحوثيين تحت ذريعة “الروية والحكمة”؟
أليس في هذا القرار خضوعٌ فاضحٌ لمن انقلب وقتل الآلاف؟
منذ متى أصبحت “التهدئة” مبررًا لتسليم أدوات السيادة للعدو؟
هل أصبح العليمي بنظر حلفائه حكيمًا لأنه سلّم الطائرة بدلًا من حمايتها؟
لماذا يُحمّل بن دغر إسرائيل المسؤولية بينما القرار جاء من الشرعية اليمنية نفسها؟
أليست هذه ازدواجية في الخطاب وتضليلًا متعمدًا للرأي العام؟
ثم، ما هو حجم التنسيق الفعلي بين العليمي وبن دغر في تمكين الحوثيين عبر بوابة الشرعية؟

بهذه الأسئلة يُمكن النفاذ إلى عمق مقال د. أحمد عبيد بن دغر الذي نشره أمس الأول من يونيو الجاري، دفاعًا عن قرار رشاد العليمي تسليم طائرة اليمنية لمليشيات الحوثيين، رغم ما يحمله القرار من تجريد الشرعية من آخر رموز السيادة.

ففي مقال بعنوان “حسنًا فعل الأخ الرئيس”، يتبنى بن دغر خطابًا ناعمًا خادعًا، يبدأ بتبرير الامتناع عن الحرب بذرائع “الحكمة والروية”، ثم يربط القرار بمنع الاستفزازات، وأخيرًا يُحمّل إسرائيل مسؤولية تدمير الطائرة، وليس من سلّمها إلى العدو الداخلي.

لكنّ هذا الخطاب – حين يُفكك منطقيًا – يكشف بنية مزدوجة تقف على أربعة محاور من التواطؤ:

أولًا: “روية الحرب” أم تبرير الهزيمة؟

يبدأ بن دغر بالقول إن المعركة لا تُخاض بدافع طارئ أو استجابة للانفعالات، بل تحتاج لـ”تقدير مسبق”، وهي مقدمة تبدو عقلانية. لكن هذه المقدمة تُستخدم كـ مدخل لتمرير قرار خيانة، لأن ما يفعله الرئيس – بحسبه – لا يندرج ضمن “الرد العاطفي”، بل “قرار حكيم”. والحقيقة أن هذه المواربة اللفظية تُخفي الإذعان الكامل للحوثي، عبر التخلي الطوعي عن أدوات الردع الرمزية والاقتصادية.

ما يتجاهله بن دغر هنا، أن الحرب ليست فعلًا متهورًا فقط، ولكن أيضًا الامتناع الكامل عنها أمام التوسع الحوثي هو شكل من أشكال الهزيمة السياسية.

ثانيًا: خطاب “السلام المرجعي” الذي يشرعن التمدد الحوثي

في ثنايا المقال، يُشير بن دغر إلى أن الحكومة لا ترفض السلام، بل تدعو له وفق المرجعيات الثلاث. ومع أن هذا الموقف يبدو رسميًا، إلا أن سياق الدفاع عن تسليم الطائرة يُظهر أن “المرجعيات” لم تعد مرجعية فعلية، بل مجرد ستار لشرعنة الانبطاح.

فهو لا يذكر أن الحوثي انقلب على هذه المرجعيات، ولا يربط التسليم الحالي بالمنهج المستمر في تمكين الجماعة الانقلابية عبر بوابة “السلام” بينما هي تبني صواريخها ومسيّراتها.

ثالثًا: إسرائيل كقميص عثمان لتبرير الخيانة

أحد أخطر محاور الخطاب هو حين يقول بن دغر:
“وإذا كانت إسرائيل قد دمرت الطائرة، فقد دمرت ما هو أغلى منها…”.

هنا ينتقل من تبرير التسليم إلى إعادة توجيه اللوم نحو العدو الخارجي، متجاهلًا أن تسليم الطائرة تم للحوثي قبل أي عمل عسكري إسرائيلي. بل إن الطائرة وصلت إلى مطار صنعاء بقرار رسمي قبل قصفها، ما يجعل من “العدو الخارجي” مجرد وسيلة لتحييد المسؤولية الداخلية.

والأخطر أن هذه اللغة المواربة تُضفي على قرار العليمي – باعتراف بن دغر – صبغة “شرعية وعقلانية” بينما هي في حقيقتها قرار سياسي لتعويم الحوثيين.

رابعًا: التاريخ يعيد نفسه… وبن دغر لم يتغيّر

بن دغر، الذي كان شريكًا للحوثيين في تحالف الانقلاب عام 2014، يعود اليوم للعب ذات الدور: تبرير سلوك الانقلابيين، وتمييع الرد، وتحميل الآخرين المسؤولية.

فهو لم يهاجم الحوثي في مقاله إلا بعبارات إنشائية مثل “زمنهم الرديء”، لكنه لم يُدن القرار الأخطر: تسليم أداة سيادية لشخصية مصنفة أمميًا بالإرهاب ومرتبطة بإيران.

وهذا يعيدنا إلى الدور الذي لعبه بن دغر في كل المحطات السياسية منذ الانقلاب: مُجمّلٌ لخيارات الخيانة، وموظفٌ مثالي في خدمة مشاريع الهيمنة الحوثية باسم الوحدة والسلام.

بين العليمي وبن دغر: وحدة المسار والتواطؤ

لا يمكن قراءة مقال بن دغر بعيدًا عن هوية من دافع عنه: رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، والمصدر المباشر لقرار تسليم الطائرة. فكلاهما ينتميان لنفس المسار السياسي الذي يعمل على تفكيك بنية الشرعية تحت ذريعة السلام، وتسليم البلاد – بالتقسيط – للحوثي.

وهنا يُطرح سؤال استراتيجي:

إذا كانت الشرعية تُفرّط بطائرتها السيادية، فماذا تبقى منها؟

وإذا كانت أدواتها تدافع عن ذلك باسم الحكمة، فهل نحن أمام قيادة “دستورية” أم سلطة وكلاء؟

الحكمة الحقيقية: رفض الخيانة لا تبريرها

إذا كان بن دغر يرى أن “الحكمة في لحظتها” كانت تقتضي تجنب مواجهة الحوثي، فإن الحقيقة الاستراتيجية تقول:
الحكمة هي منع العدو من التوسع، لا تسهيل تمكينه.
الحكمة هي حماية المؤسسات لا تسليمها.
الحكمة هي قول “لا” للخيانة، لا تبريرها بكلمات ناعمة.

إن ما فعله العليمي ومن يُدافع عنه ليس من الحكمة في شيء، بل هو صورة من صور التواطؤ السياسي، الذي يُغلف الخيانة بعبارات الدولة والعقلانية، بينما يُسلمها قطعة قطعة للحوثي، بغطاء بن دغر وكثيرين غيره.

خاتمة: الطائرة كانت مجرد البداية

إن الدفاع المستميت عن قرار تسليم الطائرة هو فقط رأس جبل الجليد الذي تخفيه طبقات من التواطؤ الخفي. وإذا لم تُكشف الأسماء والأدوار التي تقف وراء هذا التآمر، فلن يحتاج الحوثي إلى المزيد من الصراعات المسلحة، فحلفاؤه الناعمون في قمم الشرعية سيكفلون له تحقيق مشروعه على مهل، بلا مقاومة تذكر.

زر الذهاب إلى الأعلى