«الإخوان» ضد الدولة الوطنية

 هاني مسهور

بالعودة إلى أدبيات جماعة «الإخوان المسلمين»، وفي نظرة داخل رأس حسن البنا مؤسسها يمكن استنتاج أن أحد أهم ما تمثله رؤيته في تضادها مع مفهوم الدولة الوطنية العربية، هي ما يمكن وصفه بـ«الدولة الوهمية» المنطلقة من الأممية المستندة على الدين هي نقيض للدولة الوطنية، وهي إسقاط غير واقعي على التفريق ما بين عهد النبوة والتطور الإنساني الطبيعي فيما تلا العهد الأول الذي عاشه النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا الإسقاط الذي وضعه البنا في أصله خاطئ ولذلك كل ما بني عليه سيكون خاطئاً بالتأكيد.

نشأة الإخوان المسلمين بكل ما يحيط بها من غموض وشبهات طرحت ما يسمى التشكيل الموازي أو البنية الموازية أو الدولة الموازية داخل الدول التي تنشط بها هذه الجماعة وتعمل على تحقيق أهدافها بغض النظر عن مصلحة الشعب أو الوطن الذي تتواجد فيه. مع هذا الاقتراب من النشأة تظهر نقطة اللاواقعية في التضاد بين الدولة الوطنية والدولة الأممية، إشكالية الجماعة ومن بعدها كل الجماعات ذات المفهوم الأيديولوجي في تعريفها للوطن.


ردة فعل البنا من بعد نهاية الدولة العثمانية وقيام الدولة التركية الحديثة خلق اتجاهاً حاداً في عقلية البنا مما دفعه لتبني الفكرة الأممية الشمولية، التضاد ليس مجرد حالة تصادمية مع حقيقة نهاية الدولة العثمانية فحسب بل لتبني كمال أتاتورك العلمانية كنمطية واقعية في بنية الدولة التركية، وهنا تحديداً تظهر أن المسألة من الواضح أنها قامت على ردة الفعل.


منذ أن تشكلت الجماعة كفكرة ثم تحولت تنظيماً سريّاً لم تتوافق مع المفهوم الوطني الذي كان في طور النشأة داخل مصر، تبني العمليات الإرهابية في سلوك التنظيم ومنهجيته كان عنصراً من عناصر عمق ردة الفعل، التعصب عند حسن البنا دفع به إلى التطرف وتوظيف الآيات والأحاديث النبوية لبناء فكرة الدولة الشمولية، عدم القدرة على القبول بالواقع خلق عنده عمقاً شديداً في ردة الفعل شجعته الدائرة المحيطة به التي اعتبرته إماماً مما جعله يرى أن عملياته ضد الدولة الناشئة المصرية هي ما سيرسخ فكرة الدولة الشمولية التي يعتقد بها حدّ الإيمان، زاد من ذلك أنه وجد في البيعّة ما أشبع ذاته المندفعة في الانتقام.


رفض للقبول بالواقع امتد من بعده بعقود عندما أعاد سيّد قطب إنتاج الفكرة الإيديولوجية وجعل من الحاكميّة شرطاً من شروط الإسلام، والأكثر من ذلك أنّه اعتبر الوطن «حفنّة من تراب عفن»، وهنا تبدو أكثر أن الروح الناقمة الرافضة للقبول بواقعية الدولة الوطنية تعمّقت مع توسع نطاق التنظيم في المنطقة العربية.

كما أن التصادم الحتمي كان عنيفاً مع الكيان الوطني من بعد ثورة الضباط الأحرار في يوليو 1952، حالة التصادم صنعت المظلومية، وهي أحد أكثر مسوغات الاجترار في التاريخ الإنساني ومنه نشأت المذاهب والطوائف في كل الأديان. محاولات اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر تكرس المفهوم الأدق لرفض جماعة «الإخوان» للدولة الوطنية.


فمبدأ اغتيال عبدالناصر آنذاك من منظور الجماعة يعني إسقاط الكيان الذي لا يريدون القبول به والتعايش معه وفيه. النقطة المحورية في دماغ حسن البنا بدأت من ردة فعل غير قابلة لتصديق انهيار الدولة العثمانية الشمولية، تعميق الكراهية في وجدان المنظمين للجماعة وفرّ للبنا كما وفرّ لمن جاء بعده من رموز الجماعة الاستثمار في ذهنية المظلومية دونما استدراك للواقع. تعاقبت العقود لتنتج الجماعة جماعات والتنظيم السري تنظيمات كلها ترفض الدولة الوطنية، وتمقتها وتفضل مقاتلتها تحت شعارات متعددة صنعت حقيقة أن حسن البنا كان في رأسه عطلّ وفي نفسه اعتلال ومن جاء بعده قطيع لا يفكر ولا يقدر، وكما كان مرشدهم رافضاً للواقع فهم أيضاً رافضون.