في أكتوبر… الجنوب لا يروي الحكاية بل يصنعها

كتب / رائد عفيف
في 14 أكتوبر، لا تُروى الحكاية… بل تُبعث من جديد.
هنا الجنوب، حيث يولد المجد من رحم التحدي، وحيث الثورة ليست ذكرى تُعلّق على الجدران، بل نبضٌ حيّ يسري في شرايين الأرض والناس. في هذا اليوم، انطلقت شرارة الكفاح من جبال ردفان، لتُعلن أن الجنوب قرّر أن يكون، وأن الكرامة لا تُؤجّل.
في عام 1963، لم يكن الرصاص وحده من تحدّث، بل كانت الكلمة، والإرادة، والحلم الجنوبي الذي ظلّ حيًّا في صدور الأحرار، لا يخبو ولا يُنسى. انطلقت شرارة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، لا من أجل تبديل علم بآخر، بل من أجل استعادة الإنسان لقراره، وهويته، وأرضه.
واليوم، ونحن نحتفل بهذه الذكرى الخالدة، لا نكتفي بإحياء الماضي، بل نُجدّد العهد مع كل شهيد، ومع كل أمٍّ زغردت رغم الدمع، ومع كل جيلٍ حمل الراية دون أن تنحني هامته. نحتفل لأننا نؤمن أن الثورة ليست تاريخًا يُروى، بل روحًا تُورّث، ومسؤولية تُحمل، وصوتًا لا يخفت.
وفي الأرض التي تفتح ذراعيها للفرح، تستقبل الضالع ضيوفها كأنها بوابة الجنوب النابضة بالعزة، حيث التاريخ يُروى على جدران القلاع، وتُعانق الجبال رايات النصر. هناك، لا تُحتفل الذكرى فحسب، بل تُستعاد اللحظة الأولى للثورة، وتُردّد الحناجر صدى الرصاص الأول الذي أعلن بداية التحرر.
وفي حضرموت، حيث العمق الحضاري يلتقي بالوعي الوطني، تتزيّن المدن بالأعلام، وتُقام الفعاليات التي تجمع بين الأصالة والحداثة، لتقول للعالم: إن الجنوب لا ينسى أبطاله، ولا يفرّط في ذاكرته. من المكلا إلى سيئون، ومن وادي حضرموت إلى ساحله، تُضاء الشموع في دروب المجد، وتُكتب القصائد على جدران الوفاء.
في الساحات، ترتفع الأعلام، وتُعزف الأناشيد، وتُروى الحكايات التي لا تملّها الذاكرة. حكايات رجالٍ صدقوا، ونساءٍ صمدن، وأطفالٍ كبروا على حلم الوطن الحرّ. وفي كل زاوية من الجنوب، ينبض القلب بعبارة واحدة: “نحن أبناء أكتوبر، لا ننسى ولا نُهزم”.
ليست احتفالاتنا طقوسًا عابرة، بل هي تجديدٌ للوعي، وتذكيرٌ بأن الجنوب الذي انتصر بالأمس، قادرٌ على حماية نصره اليوم، وصناعة مستقبله غدًا. فكل شمعة تُضاء، وكل نشيد يُردّد، هو وعدٌ بأننا باقون على العهد، لا نُفرّط، ولا نساوم، ولا ننسى.
فلنُحيِ أكتوبر كما يليق به، لا كذكرى، بل كنبضٍ حيّ، وكبوصلةٍ لا تحيد. ولتكن احتفالاتنا هذا العام رسالةً للعالم: أن الجنوب، الذي دخل التاريخ من بوابة الثورة، لا يخرج منه إلا منتصرًا، حرًّا، سيّدًا على أرضه.