اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

السلام يبدأ من الجنوب… وقضية شعب لا يمكن تجاوزها

كتب/ أصيل هاشم
.
تأتي الدعوة إلى إحلال السلام الشامل في اليمن في ظل متغيرات سياسية دولية وإقليمية متسارعة، وفي لحظة يزداد فيها شعور الجميع بأن الحرب لم تعد قابلة للاستمرار، وأن أي حلول جزئية أو التفاف على جذور الأزمة لن تنتج سوى صراعات جديدة. وبينما يدعو المجتمع الدولي إلى عملية سياسية جامعة، تبقى قضية الجنوب حجر الزاوية التي لا يمكن تجاوزها، لأنها ليست تفصيلًا سياسيًا يمكن القفز عليه، بل هي جوهر الأزمة اليمنية ومفتاح أي تسوية قادمة.

لقد قدّم شعب الجنوب خلال السنوات الماضية مواقف واضحة لا لبس فيها، عبّر فيها عن إرادته الحرة في استعادة دولته وهويته وسيادته. ورغم كل التعقيدات التي مرت بها البلاد، ظل الجنوبيون متمسكين بحقهم المشروع في تقرير مصيرهم، وهو حق أكدته كل المواثيق الدولية، وترسّخ أكثر بفعل التجربة المريرة التي عاشها الجنوب منذ الوحدة وما تبعها من حروب واجتياحات وإقصاء منظم لكل ما يمت بصلة لهويته وتاريخه السياسي.

على الجانب الآخر، برز المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي قوة سياسية وعسكرية واجتماعية قادرة على تمثيل الجنوب وحمل قضيته في مختلف المحافل. وقد أثبت المجلس خلال السنوات الماضية أنه الأكثر انسجامًا مع إرادة الشارع الجنوبي، والأقدر على الدفاع عن حقه في الاستقلال، كما استطاع أن يقدم رؤية سياسية متماسكة تنطلق من ثابت واضح: لا سلام حقيقي دون حل جذري لقضية الجنوب يضمن استعادة دولته كاملة السيادة.

وفي سياق هذه الرؤية، جاء الخطاب الأخير للرئيس الزُبيدي في ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر ليعيد التأكيد على أن الجنوب لا يزال متمسكًا بثوابته الوطنية وأنه جزء أساسي من أي عملية سياسية قادمة، لا يمكن تجاوز حضوره أو التقليل من حجم تأثيره. فقد دعا الرئيس بوضوح إلى عملية سلام عادلة تعترف بالجنوب كقضية وطنية مستقلة، وليس كملف تابع أو هامشي في سياق الأزمة اليمنية. وهذا الطرح يعكس إدراكًا عميقًا لضرورة بناء سلام يقوم على معالجة جذور الخلاف، وليس على حل ترقيعي يعيد إنتاج الصراع.

ومن الواضح أن المجتمع الدولي بدأ يستشعر هذه الحقيقة، وهو ما يظهر في تغيير لغة البيانات والمواقف في الفترة الأخيرة، بما فيها بيان مجلس الأمن الدولي الذي تجنب الإشارة إلى المرجعيات القديمة التي باتت غير قابلة للتطبيق، بما فيها القرار 2216، وهو تطور مهم يشير إلى أن العالم بدأ ينظر إلى الواقع كما هو، لا كما كان قبل عشر سنوات. وهذا التغيير يفتح الباب أمام صياغة إطار تفاوضي جديد يضع الجنوب في مكانه الطبيعي كطرف رئيسي لا يمكن استبعاده.

إن الجنوب اليوم ليس مجرد جغرافيا، بل هو مشروع وطني يمتلك أدواته السياسية والعسكرية والإدارية، ولديه إرادة شعبية واسعة تتطلع لبناء دولة مستقلة تنعم بالأمن والاستقرار. وقد أثبتت التجارب أن الجنوب قادر على إدارة شؤونه، وأن الاستقرار النسبي الذي تنعم به محافظاته دليل واضح على قدرته على بناء نموذج ناجح. وفي المقابل، أثبتت كل محاولات تجاهل قضيته أنها لا تؤدي إلا إلى مزيد من التوتر والانقسام.

من هنا فإن الحملة الإلكترونية التي يطلقها النشطاء والمهتمون بقضية الجنوب تأتي في وقت حساس، تهدف إلى إيصال صوت الشعب الجنوبي إلى العالم، والتأكيد على أن السلام يبدأ من الاعتراف بحق الجنوب في استعادة دولته، وأن أي تجاهل لهذه الحقيقة لن يكون إلا وصفة لإطالة أمد الأزمة. فالقضية اليوم لم تعد مجرد صراع سياسي، بل أصبحت قضية شعب بأكمله يبحث عن دولته وهويته وكرامته ومستقبله.

إن الطريق نحو السلام الحقيقي يمر عبر احترام إرادة الجنوبيين والاعتراف بحقهم المشروع في تقرير مصيرهم، وهو ما يعمل عليه المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس الزُبيدي بإصرار وثبات. وهذا الموقف هو الذي سيجعل من الجنوب ركيزة أساسية في أي عملية سياسية قادمة، وبدونه لن يكون هناك استقرار دائم ولا حل شامل يمكنه إنهاء معاناة الناس وتمهيد الطريق لمستقبل آمن ومزدهر للجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى