اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

منح الجنوب التعليمية.. مشروع استراتيجي لتصحيح مسار عقود التهميش

 

النقابي الجنوبي/هشام صويلح

في خطوة تحمل دلالات سياسية وتعليمية عميقة، أطلق المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس (عيدروس قاسم الزُبيدي) مشروع المنح التعليمية الموجهة لطلاب الثانوية العامة من مختلف محافظات الجنوب. المبادرة لم تأتِ ضمن إجراءات روتينية، بل جاءت لتعكس رؤية استراتيجية تعتبر التعليم استثماراً أساسياً في بناء الإنسان وصناعة المستقبل. وهي بذلك تمثل بداية عهد جديد يضع حدّاً لعقود طويلة من التهميش والحرمان الذي عانى منه أبناء الجنوب منذ ما بعد إعلان الوحدة اليمنية المشؤومة عام 1990.

التعليم.. مدخل إلى الاستقرار والتنمية

أكد الرئيس (الزُبيدي) أن التعليم ليس مجرد وسيلة لاكتساب المعرفة، بل هو الضمانة الحقيقية لاستقرار المجتمع وحمايته من التطرف. وقال: “الاستثمار في الشباب والتعليم هو استثمار في مستقبل الجنوب، وأي مشروع تنموي أو سياسي لا يمكن أن ينجح دون قاعدة تعليمية صلبة”.

هذا التوجه لم يبقَ في إطار التصريحات، بل ترجم عملياً بابتعاث أولى الدفعات من الطلاب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يتلقون تعليماً جامعياً متطوراً يلبي احتياجات العصر. هؤلاء المبتعثون يشكلون نواة لجيل جديد قادر على قيادة التنمية وبناء مؤسسات الدولة الجنوبية المنشودة.

معالجة إرث التهميش وإعادة التوازن

منذ إعلان الوحدة، واجه طلاب الجنوب تمييزاً ممنهجاً في توزيع المنح الدراسية. فقد احتُكرت فرص الابتعاث الخارجي لصالح أبناء الشمال، بينما حُرم الجنوبيون من حقوقهم الطبيعية. هذا الواقع أنتج حالة واسعة من الحرمان، وترك آلاف المتفوقين بلا أفق علمي أو مهني.

ومع تأسيس المجلس الانتقالي، برزت لحظة فارقة لمعالجة هذا الخلل. إذ تبنى المجلس آلية شفافة لتوزيع المنح بعدالة على جميع المحافظات. وأوضح الدكتور صدام عبدالله، المستشار الإعلامي للرئيس (الزُبيدي)، أن: “عملية توزيع المنح الدراسية إلى الإمارات تمت وفق آلية عادلة وشفافة شملت جميع محافظات الجنوب”، مؤكداً أن الاتهامات باقتصارها على محافظة معينة مجرد “ادعاءات كاذبة تهدف لتشويه الجهود وضرب وحدة الصف الجنوبي”.

شراكة استراتيجية مع الإمارات

لم يكن لهذا المشروع أن يرى النور لولا الدعم الكبير من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وضعت التعليم في صدارة أولوياتها إلى جانب مشاريع البنية التحتية والصحة والإغاثة.

وقال عبدالعزيز الشيخ، رئيس هيئة الإعلام والثقافة في المجلس الانتقالي: “رحلة أمل جديدة بدأت بكوكبة من طلاب الجنوب، ولم تكن لترى النور لولا جهود الرئيس (الزُبيدي) ودعم الأشقاء في الإمارات الذين جعلوا من التعليم أولوية واستثماراً طويل الأمد في الإنسان”.

كما عبر الشيخ لحمر علي لسود، رئيس القيادة المحلية للمجلس في شبوة، عن شكر الجنوبيين للإمارات، موجهاً تحية خاصة للرئيس الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على المبادرات التي تعكس عمق العلاقة الأخوية.

مواجهة حملات التشويه

لم يخلُ هذا الإنجاز من محاولات للتشويه، إذ روجت بعض الأطراف شائعات تزعم وجود تفاضل مناطقي في توزيع المنح. غير أن الحقائق سرعان ما دحضت تلك المزاعم، خصوصاً مع مغادرة طلاب من مختلف المحافظات مطار عدن باتجاه أبوظبي.

الكاتب محمد عبدالله المارم القميشي أشار إلى أن: “فرحة الإنجاز لم ترق للبعض، فبادروا إلى نشر قوائم مزورة تزعم تفاضلاً في الحصص، وهي محاولة يائسة لإثارة الفتنة المناطقية” من قبل أبناء العربية اليمنية، محذرا الجنوبيين أن “الأحقاد والمناطقية لا تجلب سوى الخراب والانقسام”.

التعليم.. معركة المستقبل

يرى باحثون وكتاب جنوبيون أن معركة المستقبل تبدأ من معركة التعليم. وكتب الدكتور أمين العلياني قائلاً: “المنح ليست مجرد مقاعد دراسية، بل استثمار في العقل الجنوبي وتكريس لمسيرة التضحيات.. إنها معركة التسلح بالمعرفة بعد معركة التحرير”.

وفي رسالة إلى الطلاب المبتعثين، قال: “أنتم حملة المشروع النهضوي، وجسر الجنوب إلى المستقبل، فاجعلوا من علمكم سلاحاً لبناء الوطن”.

رسالة أمل للمجتمع

تتجاوز هذه المبادرة حدود التعليم لتشكل رسالة أمل للمجتمع بأسره، مفادها أن الشباب هم الثروة الحقيقية وأن مستقبل الجنوب مرهون بقدرتهم على تحويل المعرفة إلى مشروع حضاري.

الأمين العام عبدالرحمن جلال شاهر الصبيحي اعتبر أن: “ابتعاث أوائل طلاب الثانوية يمثل تتويجاً للجهود وتجسيداً لحرص الرئيس (الزُبيدي) على الاستثمار في طاقات الشباب باعتبارهم الركيزة الأساسية لبناء المستقبل”.

مشروع وطني لبناء الإنسان

مبادرة المنح التعليمية ليست مجرد برنامج أكاديمي، بل مشروع وطني شامل يهدف إلى إعادة بناء الإنسان الجنوبي وتصحيح مسار التهميش. وهي أيضاً ثمرة شراكة استراتيجية مع الإمارات، ورسالة واضحة بأن الجنوب يسير بخطى واثقة نحو تمكين شبابه وصناعة نهضته.

لقد آن الأوان لأن يُنظر إلى التعليم باعتباره المعركة الحقيقية التي سترسم ملامح الجنوب لعقود مقبلة، وبقدر نجاح هذه المبادرة في تمكين العقول الواعدة، بقدر ما سينجح الجنوب في بناء دولته الحديثة والمستقرة.

زر الذهاب إلى الأعلى