عدن اليوم تغرق… حين تُهمل التوصيات وتُترك المدينة لمصيرها

كتب/الباحث /عبدالجليل الحميدي
في صباح الثلاثاء 19 أغسطس 2025، استيقظت مدينة عدن على مشهد مأساوي يتكرر: سيول جارفة تغمر الشوارع، تغلق الطرق، تُغرق المنازل، وتُخلّف اضرار جسيمة. لم تكن هذه الكارثة مفاجئة، بل كانت متوقعة، موثقة، ومحللة في دراسات علمية سابقة، لكنّها، كالعادة، بقيت حبيسة الأدراج.
عدن اليوم لا تغرق فقط بمياه الأمطار، بل تغرق في الإهمال، في غياب التخطيط، وفي تجاهل التوصيات التي كان من الممكن أن تُنقذ الأرواح وتحمي الممتلكات.
الكارثة المتكررة… والعلم المُهمل
في وقت سابق، أطلقت هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية دراسة متقدمة بعنوان:
النمذجة الهيدرولوجية لتقييم مخاطر السيول وتخفيف حدتها باستخدام تقنيات الاستشعار عن بُعد ونظم المعلومات الجغرافية – دراسة حالة محافظة عدن
وقدّمت هذه الدراسة تحذيرات دقيقة، وتوصيات عملية، لكنّها لم تُنفذ، ولم تُترجم إلى إجراءات ميدانية.
اليوم، وبعد أن غرقت عدن مجددًا، تبرز هذه التوصيات كصرخة علمية تجاهلها الجميع، رغم وضوحها وواقعيتها.
التوصيات التي كان يمكن أن تُحدث الفرق
1. الحفاظ على مسارات الأودية
– منع البناء العشوائي الذي يُغير مجاري السيول.
– تنظيف الأودية بشكل دوري لضمان تدفق المياه دون عوائق.
2. تحسين شبكات الصرف الصحي
– تطوير التصميمات الهندسية لشبكات التصريف.
– تنفيذ مشاريع تصريف حديثة تُراعي حجم الأمطار وتدفق السيول.
3. إنشاء محطات رصد هيدرولوجية
– تركيب أجهزة لرصد مستويات المياه وجودتها.
– جمع بيانات دقيقة لتحليل الاتجاهات المناخية والتنبؤ بالمخاطر.
4. توسيع أنظمة الإنذار المبكر
– تأسيس جهة رسمية موحدة لإدارة الإنذار المبكر.
– تصميم خطة وطنية تأخذ في الاعتبار خصائص كل منطقة.
5. توعية المجتمع المحلي
– تنظيم ورش عمل وحملات تثقيفية حول التعامل مع السيول.
– تعزيز ثقافة الاستخدام المستدام للموارد المائية.
6. تعزيز التعاون المؤسسي
– توحيد التشريعات المتعلقة بإدارة الفيضانات.
– تنسيق الجهود بين الوزارات والهيئات المحلية.
7. دراسة آثار التغير المناخي
– تحليل تأثيرات المناخ على موارد المياه.
– تطوير استراتيجيات للتكيف مع الظواهر المناخية المتطرفة.
8. تقييم شامل للمخاطر
تحديد المناطق الأكثر عرضة للسيول.
– إعداد خطط طوارئ وتنفيذها بشكل عاجل.
9. استخدام التكنولوجيا الحديثة
– الاستثمار في نظم المعلومات الجغرافية (GIS).
– تطبيق نماذج المحاكاة لتحليل البيانات الهيدرولوجية بدقة.
10. تطوير سياسات مائية وطنية
– تقديم توصيات للحكومة حول إدارة المياه المستدامة.
– صياغة سياسات تُعزز الوقاية وتُقلل من المخاطر.
عدن لا تحتاج إلى مزيد من الدراسات… بل إلى إرادة تنفيذ
المشكلة ليست في نقص المعرفة، بل في غياب القرار. التوصيات موجودة، والبيانات متوفرة، والخبراء جاهزون، لكن ما ينقص هو التحرك الجاد، والتعامل مع الكارثة قبل وقوعها، لا بعدها.
عدن اليوم تغرق، لكنّها أيضًا تصرخ:
كفى تجاهلًا للعلم، كفى دفنًا للتوصيات، كفى انتظارًا للكوارث القادمة.
—
من الأدراج إلى الميدان
لا يمكن إنقاذ عدن إلا إذا خرجت التوصيات من الأدراج إلى أرض الواقع.
لا يمكن حماية الأرواح إلا إذا تحوّل العلم إلى سياسة، والتحذير إلى إجراء، والتخطيط إلى تنفيذ.
عدن لا تحتاج إلى تعاطف بعد الكارثة، بل إلى وقاية قبلها.
فهل ننتظر الغرق القادم؟ أم نبدأ الآن، بخطوات عملية، تُعيد للمدينة أمنها واستقرارها؟
القرار بيد من يملكون السلطة… لكن المسؤولية بيد الجميع.
الباحث في GIS and RS
عبدالجليل الحميدي