اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

#بعسسة.. هيلوكس عظيمان وحمار الطائي

#بعسسة.. هيلوكس عظيمان وحمار الطائي

كتب /علي محمد سيقلي

في الأدب العربي القديم، وخاصة في عصور ما قبل الإسلام وصدر الإسلام، كان الشعراء يكتبون القصائد الطوال في الفخر بالنفس والقبيلة، يمدحون أنفسهم ويهجون خصومهم، وكأنهم في سباق استعراضي مفتوح بلا حدود.
خذ مثلا المعلقات أو قصائد المتنبي الذي يقول:

“إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
فلا تقنعْ بمـا دونَ النجومِ”
الحديث عن روح المغامرة هذه لا تسعه تغريدة على منصة X، بل إن بيتا واحدا كهذا قد يلزمك اليوم بدفع الاشتراك لتحصل على العلامة الزرقاء! وإلا بقيت رهينة الـ 280 حرفا، بينما شاعر جاهلي كان يكتب معلّقة كمعلقة امرئ القيس، قوامها أكثر من 90 بيتا، أو كمعلقة طرفة بن العبد التي تجاوزت المئة بيت.
تخيل لو أن هذه المعلقات نشرت اليوم على صفحات فيسبوك… هل ستحقق عدد المتابعات التي يحققها “عظيمان” بفضل الفكر المنحط الذي يمارس علينا اليوم باسم الترند وما أدراك ما الترند؟

ومع أن الإنسان لم يتغيّر، إلا أن الأدوات هي التي تغيرت.
فهل تعتقدون أن أحدا من روّاد السوشيال ميديا اليوم سيذكره التاريخ بخير، كما ظل باقٍ وخالدا ذكر هؤلاء العمالقة؟
تخيلوا لو أن هؤلاء كانوا يملكون حسابات على “فيسبوك” أو “منصة X”.
تأمل مثلا حاتم الطائي، سيد الكرم في الجاهلية. كان يربط ناقته بنفسه، ويجلس مع ضيوفه على التراب، ويتسابق ليذبح لهم الذبائح، ثم يعتذر إن لم يقدّم ما يليق بهم، كلحمة الرأس التي يحبها فهد بن جعموم.
لكنه كان بسيطا متواضعا، لا حارس له ولا مدير أعمال ترافقه مزة، ومع ذلك اسمه محفور في ذاكرة الأدب والإنسانية.

والآن قارن هذا بمشهور فيسبوك معاصر:
يطل عليك من المقعد الخلفي في سيارة حديثة وآخر موديل، يضع نظارته السوداء، وعلى يمينه مدير أعماله، وخلفه حارس شخصي مفتول العضلات، وكأنه “شخصية ناكعة” لا “مهرج اجتماعي”.

لقد كان شاعر الجاهلية يمتطي حمارا أو ناقة، يخط قصائده على الرمال، ومع ذلك ظل ذكره خالدا.
أما صاحب السيارة آخر موديل، فلن يذكر إلا في أرشيف إعلانات المولات، أو كفقاعة عابرة في زمن الترند.

زر الذهاب إلى الأعلى