اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

عقلية الخرافة عند الإخوان: بين سرديات الغيب ومشاريع السيطرة الذهنية

 

النقابي الجنوبي/تقرير/خاص

يكشف هذا التقرير تفكيك آليات بناء العقل الجمعي داخل جماعة الإخوان المسلمين، ويسلط الضوء على أوهام الكرامات والمعجزات التي صاغت وعي الأتباع ورسخت الخضوع القيادي باسم الغيب.

في الوقت الذي ما تزال فيه جماعة الإخوان المسلمين تحاول تصدير صورة ذهنية عن التزامها بالعقل والمنطق، تكشف الشهادات الداخلية، والممارسات التربوية للتنظيم، عن بنية فكرية غارقة في الخرافة، تتكئ على المرويات الغيبية والكرامات والمعجزات لصياغة العقل الجمعي لأتباعها. هذه المفارقة الصارخة بين الخطاب المُعلَن والمضمون التربوي الخفي، كانت محور مقال الكاتب المصري طارق أبو السعد، الذي قدم من خلاله قراءة تحليلية متعمقة لنمط التفكير داخل الجماعة، مستندًا إلى مشاهدات شخصية، وأدبيات داخلية، وسرديات منقولة عن رموز التنظيم.

ادعاء العقل وواقع الخرافة: تناقض بُنيوي

يشير أبو السعد إلى أن جماعة الإخوان “تفتخر بأنّها أكثر الفصائل الإسلامية احتراماً للعقل والمنطق”، وتزعم عداءها الشديد لما تسميه “خرافات الصوفية”. غير أن التجربة الميدانية، كما يوضح، تفضح هذا الادعاء، إذ ما إن تواجه الجماعة الأزمات، حتى تبرز إلى السطح بنيتها العقلية الحقيقية، التي تستند إلى الفكر الأسطوري كمرجعية تبريرية وسلوكية. هذا ما حدث عقب سقوط حكمهم في مصر بعد ثورة 30 يونيو، حيث انتشرت بينهم مقولة: “من ولّاه سيتولّاه على السنّة”، في إشارة إلى أن الله هو من سلّطهم على الحكم، وهو من سيتولى الدفاع عنهم.

مرحلة التأسيس الغيبي: كرامات البنا ونبوءات المنام

يؤكد أبو السعد أن الجماعة، منذ نشأتها، عملت على تهيئة أعضائها لتقبّل الخوارق والغيبيات، من خلال نسج حكايات تربوية عن مؤسسها حسن البنا، تصوره كشخصية استثنائية تتلقى الإلهام في المنام وتُسدد في الواقع.

من هذه الروايات ما أورده محمود عبد الحليم في كتابه “الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ”، عن أن حسن البنا — ليلة امتحانه — رأى رجلًا في المنام يفتح له الكتاب ويشير إلى الفقرات التي سيُسأل عنها، فاستيقظ حافظًا لها ودخل الامتحان فوجد الأسئلة نفسها، ليخرج متصدرًا النتائج!

يعلّق الكاتب على ذلك بسخرية نقدية حادة: “إن لم تكن هذه الحكاية تخاريف، فما هي التخاريف إذاً؟”. فالمغزى لا يتعلق بالنتيجة الأكاديمية، بل في تكريس فكرة القائد المؤيَّد بالمنام، الذي تتدخل السماء لإنجاحه وتثبيته، تمهيدًا لغرس فكرة أن طاعته من طاعة الله.

من الكرامات إلى المعجزات: اختراق قوانين الواقع

يمضي الكاتب في تفكيك نمط آخر من بناء العقل الإخواني، وهو الانتقال من الخوارق الفردية إلى سرديات المعجزات الجماعية، كما في القصة التي يروى فيها أن حسن البنا أنقذ مجموعة من المجاهدين في الجبل من التيه، بتوجيهات صوتية خارقة، رغم أنه لم يكن معهم.

يصف أبو السعد هذه الرواية بأنها “محاولة للتشبه بحكاية عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين نادى جيشه في الشام من المدينة”. لكنه يطرح سؤالاً استقصائيًا جوهريًا: لماذا لم تظهر هذه القدرة حين تم القبض على الإخوان في ما عُرف بـ”قضية المقطم”؟، متسائلًا عن المنطق الانتقائي في ادعاء الكرامات، والذي يبدو أنه يعمل فقط حين تُراد صناعة رمزية قدسية حول القيادة، لا حين تحل الكوارث الحقيقية.

سجون، دولاب، وإلهام من الجن!

ينتقل المقال إلى مرحلة أكثر غرابة، يكشف فيها الكاتب ما يسميه “التلقي الشفهي في تنظيم الإخوان”، عبر ما رواه عباس السيسي عن شاب من التنظيم، سمع من داخل خزانة مغلقة تفاصيل تحقيق مع شخص آخر، ثم تبيّن لاحقًا أن الأخير لم يكن موجودًا أصلاً. ليُفسَّر الأمر لاحقًا بأنه “إلهام من الله”!

ثم يتناول مشهدًا أكثر تطرفًا، يرتبط بالأستاذ علي نويتو، أحد قيادات الإخوان التربويين، والذي كان في لقاءات تنظيمية يصمت فجأة، ويبدأ بـ”التحدث مع كائن غير مرئي”، ثم يطلب من الحضور أن يفسحوا المكان لـ”إخوان الجن”، معلنًا أن “المسؤول عنهم موجود بيننا”.

هذه الحكايات، كما يرى الكاتب، تكشف حجم التشويه الذي تعرض له العقل الإخواني عبر عقود من التلقين والتهيئة لاستقبال الغيبيات وكأنها واقع لا يرقى إليه الشك.

رأي نقدي: لماذا تروّج الجماعة للخرافة؟

في التحليل النهائي، يرى أبو السعد أن توظيف الخرافة داخل التنظيم ليس سلوكًا عشوائيًا أو انزلاقًا فرديًا، بل جزء أصيل من آلية السيطرة على الأتباع. فكلما ازداد إيمان الفرد بأن القائد يتلقى الإلهام، وبأن التنظيم محاط بالعناية الإلهية، كلما أصبح أقل قدرة على التساؤل أو المعارضة أو النقد.

ويضيف: “هكذا تمّ بناء العقلية الخرافية الإخوانية التي تفسّر الواقع بحسب قوى غيبية، وعند الجدّ تنتظر من هذه القوى مساندة مادية ملموسة، وليس فقط الدعم الروحي”.

في هذه البيئة، كما يقول، لا يحتاج القادة إلى تقديم منطق سياسي أو استراتيجية واقعية؛ يكفي أن يُطلقوا وعدًا بـ”التمكين” و”النصر المبين” وستتكفل الرؤى والأحلام والبشارات بالباقي.

خاتمة: حين تصبح الخرافة استراتيجية بقاء

ما يخلص إليه الكاتب هو أن الخرافة في التنظيم ليست ظاهرة ثقافية أو أثرًا جانبيًا للتدين الشعبي، بل منظومة ممنهجة لبناء التابع المؤمن بالقائد الخارق، المتلقي للغيب، والمنقذ المنتظر. وفي عالم السياسة، تشكّل هذه البنية خطرًا مركبًا: فهي تعطل التفكير النقدي، وتسوغ الفشل، وتؤسس لتطرف يُشرعن الهزائم بانتظار “الفتح السماوي”.

إنها دعوة صريحة لإعادة قراءة التنظيمات العقائدية من داخل منظومتها التربوية، لا فقط من خلال مواقفها السياسية. فكما يقرر أبو السعد: “عند الجدّ، هم لا يتحركون بعقلانية… بل ينتظرون فعلاً معجزة خارقة تغيّر سير الحياة!”

زر الذهاب إلى الأعلى