الأمن الجنوبي بين المسؤولية والمزايدة

النقابي الجنوبي/المحرر السياسي/خاص
في توقيت بالغ الحساسية تمر به العاصمة عدن، أصدر جهاز أمن العاصمة بيانًا ينظم آلية تنظيم الاحتجاجات والفعاليات، مؤكدًا على ضرورة التنسيق المسبق مع الجهات المختصة. وبينما تعامل البعض مع البيان من زاوية التهويل أو التصعيد الإعلامي، جاءت مواقف عضو الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، إياد غانم، لتعيد الأمور إلى نصابها الوطني، مؤكدًا أن الأمن الجنوبي “مسؤولية وطنية لا مزايدة عليها”.
الأمن ليس خيارًا.. بل ضرورة وطنية
يؤكد غانم في مداخلته أن الجنوب لا يزال في مرمى الاستهداف المباشر، وأن الحرب لم تتوقف، بل تبدلت أدواتها وأقنعتها، في ظل استمرار سيطرة مليشيات الحوثي على الشمال، وتوظيف أطراف يمنية لمنافذ الجنوب بهدف التسلل مجددًا إلى ساحته. ومن هذا المنطلق، يرى أن دور الأجهزة الأمنية الجنوبية – ومنها إدارة أمن عدن – هو دور مشروع وضروري في مواجهة محاولات خلط الأوراق أو تفجير الأوضاع الداخلية تحت شعارات الحرية
من ذاكرة القمع إلى معركة السيادة
يستحضر غانم محطات قاسية من تاريخ القمع الذي مارسته سلطات الاحتلال اليمني ضد أبناء الجنوب، خاصة في العام 2009، حين كانت التظاهرات السلمية تُقابل بالاعتقالات والمحاكمات العسكرية، ويتم تلفيق التهم بحق المشاركين لمجرد أنهم طالبوا بحقوقهم. ويوضح أن تلك الممارسات لم تكن طارئة، بل نابعة من حقدٍ مؤسسي ضد كل ما يمت للجنوب بصلة، وهي العقلية ذاتها – كما يؤكد – التي تسعى اليوم لإعادة إنتاج الفوضى في الجنوب عبر قوالب مغايرة.
الاحتجاج مسؤولية.. لا فوضى
وفيما يعبّر عن تضامنه مع الفعاليات التي ينظمها أحرار الجنوب رفضًا للواقع والاقتصادي المتدهور، يلفت غانم إلى أن هذا الحق لا يتعارض مع اتخاذ الأجهزة الأمنية لخطوات احترازية تضمن سلامة المشاركين وتحمي الأمن العام. ويشدّد على أن المطالبة بحقوق مشروعة لا تعني مطلقًا فتح الباب أمام قوى معادية لتوظيف الشارع في صراعات لا علاقة لها بالقضية الجنوبية.
اختبار وطني جديد
غانم لا يتردد في تسليط الضوء على الحملات التحريضية التي تُشن ضد الكيان الجنوبي، وخصوصًا تلك التي تشترط “عدم رفع علم الجنوب” خلال الفعاليات، معتبراً أن مثل هذه الدعوات ليست سوى محاولات خبيثة للنيل من رمزية المشروع الجنوبي التحرري. ويؤكد أن هذه المرحلة تتطلب اصطفافًا وطنيًا جادًا، واختبارًا حقيقيًا للانتماء الجنوبي، قائلًا: “مشروع شعب الجنوب لن يُدفن إلا إذا دُفنّا جميعًا”، في إشارة إلى مركزية الدفاع عن الإنجازات الوطنية المتحققة.
لا أمن بلا مشروع.. ولا مشروع بلا أمن
من خلال قراءة موقف غانم، يتضح أن الأمن الجنوبي لا يُفصل عن المشروع السياسي الوطني، بل هو حامي بوابته الأولى، وهو ما يستدعي احترامه وتطويره لا التشكيك فيه. ويتطلب ذلك من جميع الأطراف – ناشطين، إعلاميين، وقيادات – التزامًا صريحًا بحماية المكتسبات، والتفريق بين ممارسة الحق الديمقراطي في التعبير، وبين الانجرار نحو أجندات مشبوهة تسعى لإرباك الداخل.
خاتمة
الجنوب اليوم أمام لحظة فارقة. والاحتكام للعقل الوطني هو الخيار الأوحد. فبين من يريد تحويل الشارع إلى أداة صراع تخدم مشاريع الاحتلال، ومن يصرّ على حماية المسار الوطني الجنوبي بكل ما أوتي من وعي ومسؤولية، يقف الأمن الجنوبي في قلب المعركة. ووفق ما عبر عنه إياد غانم، فإن المعركة الحقيقية ليست بين الأمن والاحتجاج، بل بين السيادة والفوضى
.