كشمير بين الردع النووي والتشابك التاريخي: هل يُمكن احتواء النزاع المزمن؟
تصعيد عسكري متجدد يُعيد شبح الحرب الشاملة بين الهند وباكستان وسط دعوات دولية للتهدئة ومخاوف من انفلات الردع النووي

كشمير بين الردع النووي والتشابك التاريخي: هل يُمكن احتواء النزاع المزمن؟
تصعيد عسكري متجدد يُعيد شبح الحرب الشاملة بين الهند وباكستان وسط دعوات دولية للتهدئة ومخاوف من انفلات الردع النووي.
النقابي الجنوبي/تقرير
مقدمة: نزاع كشمير… من الجغرافيا إلى الجبهات
لطالما شكّل إقليم كشمير محورًا مركزيًا في النزاع الهندي الباكستاني منذ لحظة انفصال الدولتين عام 1947، حين أُعطي هذا الإقليم الجبلي المتنازع عليه موقعًا فريدًا يتقاطع فيه التاريخ، والدين، والجغرافيا، والطموحات القومية. وفي حين ظلّ النزاع الكشميري محتدمًا سياسيًا وأمنيًا لعقود، فإن التطورات المتسارعة في مايو 2025 تنذر بتحولٍ نوعي، ينقل الأزمة من طور التوترات التقليدية إلى حافة المواجهة العسكرية الشاملة.
في ظل التجاذب بين الردع النووي والتشابك التاريخي، يعود التساؤل للواجهة: هل لا تزال أدوات الاحتواء فعّالة؟ أم أن التراكمات المزمنة والانفجارات الميدانية تجاوزت حدود السيطرة؟
سرد تطورات التصعيد العسكري: من “سِندور” إلى الردّ الباكستاني
في السادس من مايو 2025، أعلنت الهند تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق أطلقت عليها اسم “عملية سِندور”، استهدفت عبرها تسعة مواقع داخل الأراضي الباكستانية وباكستان-كشمير. وبحسب المصادر الرسمية الهندية، شملت الضربات معسكرات تابعة لجماعات “جيش محمد” و”لشكر طيبة”، اللتين تتهمهما نيودلهي بتنفيذ هجمات عبر الحدود، في تصعيد نادر منذ سنوات.
العملية، التي نُفذت باستخدام طائرات مقاتلة من طراز “رافال” مزودة بصواريخ SCALP بعيدة المدى وقنابل موجهة من نوع AASM Hammer، اعتُبرت الأضخم منذ ضربة بالاكوت عام 2019، وقد رافقتها حملة إعلامية هندية احتفت بـ”دقة التنفيذ” و”شرعية الرد الوقائي”.
لكن إسلام آباد سرعان ما ردّت بإجراءات تصعيدية مماثلة، مؤكدة إسقاط خمس طائرات هندية، منها مقاتلات “رافال” و”ميغ-29″، بالإضافة إلى طائرات مسيرة إسرائيلية الصنع من طراز HAROP. كما أعلنت عن مقتل 31 مدنيًا باكستانيًا جراء القصف، متهمة نيودلهي بـ”خرق السيادة وتجاوز قواعد الاشتباك الإقليمي”.
التصعيد لم يقف عند حدود الضربات الجوية، بل اتسع ليشمل تبادلًا كثيفًا لإطلاق النار في مناطق التماس الحدودية، مع تسجيل ضربات بطائرات مسيّرة وصواريخ قصيرة المدى، وسط إعلان حالة التأهب القصوى في صفوف الجيشين.
قراءة تحليلية في دلالات التوقيت وطبيعة الاستهداف
يُشير التوقيت الدقيق للعملية الهندية إلى بعدين أساسيين: الأول، محاولة استثمار اللحظة الإقليمية في ظل انشغال بعض القوى الكبرى بأزمات دولية موازية؛ والثاني، ردع باكستان عن دعم جماعات مسلحة تُتهم بشن هجمات داخلية ضد القوات الهندية في كشمير.
كما أن نوعية الذخائر المستخدمة، مثل SCALP وHammer، تؤكد اعتماد نيودلهي استراتيجية “الضربات الجراحية الدقيقة” لتفادي توسيع دائرة النزاع، بينما يعكس الردّ الباكستاني الجاهزية الميدانية والتصعيد غير التقليدي، خصوصًا في استخدام الطائرات المسيرة، ما يُنذر بتطور النزاع إلى نمط حرب غير متماثلة داخل بيئة مشحونة سياسيًا ودينيًا.
من جهة أخرى، فإن الخسائر المدنية المرتفعة، وامتداد العمليات إلى مناطق مأهولة، يسلطان الضوء على الطابع الكارثي لأي تصعيد مستقبلي، خاصة في ظل غياب قنوات اتصال نشطة بين الطرفين منذ عام 2022، وتجميد المحادثات الثنائية حول كشمير.
التشابك النووي: موازنة الردع أم مسار التصعيد؟
يمتلك كل من الهند وباكستان ترسانة نووية معتبرة، إذ تشير التقديرات إلى امتلاك باكستان نحو 165 رأسًا نوويًا، مقابل 160 رأسًا للهند، بحسب تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI). وعلى الرغم من أن عقيدة الردع المتبادل لطالما شكلت عامل كبح للحروب التقليدية، إلا أن ارتفاع حدة التوترات وغياب قنوات التفاوض الفعالة قد يُحول هذا الردع إلى عامل ضغط نفسي وسياسي قد يؤدي إلى قرارات غير محسوبة.
في ظل التحذيرات الدولية من “مخاطر الانفلات”، يبقى السيناريو الأسوأ قائمًا، خصوصًا إذا ما استُخدمت الضربات الجوية كمقدمة لإعادة رسم الواقع الميداني في كشمير، أو إذا تطورت الضربات إلى نمط استنزاف متبادل يستهدف البنية التحتية والعصب الاقتصادي.
ردود الفعل الإقليمية والدولية: قلق واضح ووساطات باردة
سارعت الولايات المتحدة إلى إصدار بيان رسمي يدعو الطرفين إلى ضبط النفس، فيما دعت الأمم المتحدة إلى تحقيق مستقل في الضربات وتفادي استهداف المدنيين. أما الدول الأوروبية، فقد أعربت عن “القلق العميق” و”الخشية من انزلاق الأمور إلى مواجهة شاملة”، دون التلويح بأي خطوات ضغط مباشرة.
اللافت، في المقابل، هو دخول بعض الدول الخليجية – لا سيما الإمارات وقطر – على خط الوساطة، في محاولة لفتح قنوات اتصال غير رسمي
وكالات + فريق التحرير