النقابي الجنوبي: اعلان كاك بنك
تحقيقات

إثر اختيارها الطالب قربانا ضحية لإخفاقها تجاه استحقاقات المعلم.. وزارة التربية تفرض الامتحانات الوزارية بدروس لم تدرس

النقابي الجنوبي/خاص

مدينة عدن بجمالها الساحر وثقافتها الغزيرة وإرثها الحضاري وموروثها الغني تعد أهم مدن الجنوب العربي كمنطقة حيوية واستراتيجية كانت تشكل نقطة جذب سواء للسكان المحليين، أم لشعوب الدول الأخرى؛ مما حباها الله بتعدد الثقافات.

مثلت العاصمة عدن مركز إشعاع وتنوير وعرفت بالنهضة العلمية والعمرانية ليس على مستوى الجنوب فحسب بل على مستوى الجزيرة والوطن العربي وتغلغل في أوساطها الحراك الثقافي والتطور الفكري وشكلت نقطة تحول تسيدت من خلالها بالعلم والأدب والثقافة والفنون على مدى نصف قرن.

أعلنت منظمة اليونسكو عام 1985م منح عدن جائزة المنظمة لتمكنها من القضاء على ظاهرة الأمية والتحرر منها باعتبارها الأفضل في شبه الجزيرة العربية واهتمامها بالتعليم وفق استراتيجية وطنية رسمها النظام الديموقراطي في الجنوب فكانت تستهدف الأميين الكبار من الجنسين من هم فوق عمر الدراسة الرسمية ممن لم يجدوا فرصا سابقة ومساعدتهم على تخطي القراءة والكتابة كونه حق أساسي من حقوق الإنسان كفله الدستور للجميع فعدن عرفت التعليم العام الأهلي والأجنبي والحكومي منذ أواخر القرن 19.

إن وضع التعليم في العاصمة عدن اليوم يندى له الجبين بفعل سياسات الشرعية اليمنية والحكومة التي تكرس جاهدة تجهيل الطلاب بمختلف مراحلهم وإغفالهم عن التعليم بحيث أصبحت اليوم تنتج الأمية في حرم مدارسها ومؤسساتها وجامعاتها على اختلاف مشاربها ومستوياتها التعليمية.

عدن منارة العلم لم تكن تشهد يوما مدراس خاوية كتب مغلقة طلاب في حالة سكون بمنازلهم عملية تعليمية معطلة لم تعهد أن ترى الحياة متوقفة أمر جلل ما يحدث في العاصمة عدن.

أقفلت مدارس العاصمة عدن أبوابها قرابة خمسة أشهر وأجبر الطلاب قسرا على المكوث في منازلهم دون تعليم بسبب إضرابٍ المعلمين وعزوفهم عن التدريس لعدم تلبية مطالبهم البديهية ومنحهم استحقاقاتهم المشروعة وإهمالهم على مدى سنين.. رواتبهم لا تفي بأبسط متطلبات الحياة بينما قيادات الشرعية اليمنية وأقاربهم وأولادهم يتمتعون بعيشة بذخ في فنادق الرياض وتركيا وعلى إثرها صارت مدارس العاصمة عدن تحيا حالة لا دروس حقيقية، لا اختبارات منتظمة، ولا حتى وضوح في الرؤية.. ضياع كامل بلا ملامح!

عملية الإضراب خنقت العملية التعليمية تمامًا وضاعفت الجهل وأضاعت معها فرص إعداد جيل متسلح بالعلم والمعرفة وفهم المنهج.

معظم مدارس العاصمة عدن خاصة -مرحلة ثالث ثانوي- لم تستكمل دراسة منهج الفصل الأول في الوقت الذي اختارت فيه وزارة التربية والتعليم أن تكون مغيبة عن الواقع مزيفة للحقائق دون أدنى استشعار بالمسؤولية تجاه مصلحة الطالب ومستقبله ودون أي قرارات واضحة لا تأجيل، لا حذف، ولا حتى رؤية صادقة تحدد الخطوط العريضة.

في خضم كل ذلك الوجع يضع طلاب وطالبات ثالث ثانوي للعام الدراسي 2024-2025 بقسميه العلمي والأدبي جملة من التساؤلات حول مستقبل العملية التعليمية تفتقد إجابات جادة..
هل يُعقل أن يقر امتحان على منهج لم يُشرح؟ هل يُعقل أن يحاسب الطالب على تقصير لم يكن بيديه؟ هل المطلوب أن يراجع الطالب وحده بلا معلم؟ بلا توجيه؟ بلا خريطة واضحة؟
هل جزاء هذا المعلم أن يُترك وحيدًا دون إنصاف؟ وهل جزاء الطالب أن يُترك في مهبّ الريح؟ وهل وهل وهل وهل ….؟

قتلوا الفرحة في عيون الطلاب سرقوا أحلامهم وأدوها في مهدها كانوا يحلمون بمنح، بكليات، بمستقبل مشرق …
اليوم يفكرون كيف سيمتحنون؟ وماذا سيحلون؟

في مقال للكاتبة منى علي سالم البان حمل عنوان “من الإضراب إلى الامتحانات”: “كيف يتلاعب مصير جيل كامل بأيدي القرارات المرتجلة؟” قالت فيه: “بين ليلة وضحاها، تقرر إجراء امتحانات الثانوية العامة بعد شهور من الشلل التام في العملية التعليمية، وكأن شيئًا لم يكن. قرارات مرتجلة، وواقع لا يعكس سوى التخبط، والضحية كالمعتاد: الطالب”.

وأضافت: “الطلاب الذين جلسوا شهورًا بلا مقاعد دراسية، بلا مدرسين، بلا مناهج مكتملة ولا مراجعات كافية، وجدوا أنفسهم فجأة أمام “امتحان مصيري” يحدد مستقبلهم الدراسي، وربما المهني. وهنا يتساءل كثيرون: هل هذه امتحانات وزارية حقيقية؟ أم مجرد صفقة سياسية لتسوية أزمة الإضراب؟ الهدف منها تهدئة الوضع مؤقتا..”

وتابعت البان: “رفع الإضراب جاء من دون ضمانات حقيقية لتعويض ما فات، ولا خطة واضحة لإنقاذ عام دراسي مشلول. وكأن الهدف فقط هو إجراء الامتحانات بأي شكل، من دون النظر في ما إذا كان الطالب مؤهلًا فعليًا لها، أو ما إذا كانت هذه الورقة الامتحانية ستمنحه العدالة”.

شهدت العاصمة عدن في 13 / إبريل زخما ميدانيا واصطفافا طلابيا خرج خلاله طلاب وطالبات ثالث ثانوي للعام الدراسي 2024-2025 من مختلف مديرياتها بمشاركة واسعة من المعلمين والتربويين وأولياء الأمور ومنظمات المجتمع المدني في وقفة احتجاجية حقوقية غاضبة أمام بوابة مبنى وزارة التربية والتعليم بعدن.

وأعرب المشاركون عن رفضهم تمرير سياسة تجهيل الطلاب وتشتيت جهودهم من خلال إقحامهم في فصل دراسي ثان مجهول الملامح مثخن بالدروس مليء بالحشو مكثف المواد وإجبارهم على خوض اختبارات وزارية في غضون فترة وجيزة دون زمن كاف لتلقيها ودون متسع من الوقت لاستيعابها كونهم مقبلون على الدراسة الجامعية مطالبين وزير التربية والتعليم طارق العكبري بالوقوف إلى جانبهم في هذا الظرف الحساس والمرحلة الصعبة والتوجيه بمعالجة حقيقية لمشاكلهم إلا أنهم تفاجئوا بخذلان وبقرار الهيئة العليا للامتحانات في الوزارة بإعلان سافر يحدد موعد الامتحانات في 4 مايو ضاربة بعرض الحائط كل القيم والمبادئ واستحقاقات الطلاب وأوجاعهم متجاهلة ما وقع عليهم من الظلم الذي كان إفرازا لإخفاقات قيادة الدولة والحكومة تجاه استحقاقات المعلمين وفشلهم في استرداد كرامة المعلم نتج عنه تغييب الطلاب قرابة خمسة أشهر عن مقاعد الدراسة.

وفي خطوة تصعيدية أخرى دعا طلاب وطالبات ثالث ثانوي الاعلاميين والمعلمين والتربويين وأولياء الأمور ومنظمات المجتمع المدني وكل الفئات المجتمعية إلى المشاركة الواسعة في الوقفة الاحتجاجية الغاضبة في 20 / 4 / 2025 أمام مبنى مكتب التربية والتعليم بمديرية خورمكسر بعدن في محاولة تهدف إلى إسماع صوتهم وإيصال رسالتهم بإلغاء الامتحانات الوزارية غير العادلة وإعادة جدولة الامتحان بمنهج تم دراسته فعليا واعتماد المعدل التقييمي التراكمي بديلا عنها دون استجابة حقيقية تذكر.

وأكدوا أن وزارة التربية تتعامل مع الطلاب بعيدا عن منطق العدالة وقواعد المساواة في التعليم وتعرض مستقبلهم للخطر عندما يتميز الفاشل المهمل في الامتحانات الوزارية عن طريق الغش ويتفوق في درجاته على حساب الشاطر الذكي المثابر الذي يرفض الغش ويخفق في أسئلة الامتحانات الوزارية التعجيزية لدروس لم تدرس سلفا.

تأمل الطلاب من خلال هذه الوقفات استيعاب وزارة التربية والحكومة أن الطلاب ليسوا أوراقًا يمكن تمريرها في جداول، إنما يشكلون مستقبل وطن بأكمله وهم أمة بأسرها ومن غير المقبول تجاهل حقوقهم في إيجاد حل عادل ومنصف.

إلى ذلك أصدرت اللجنة العليا للامتحانات بوزارة التربية والتعليم بيانها الهزيل وقرارها المضلل بزعمها اكتمال جميع الاستعدادات لانطلاق امتحانات الثانوية العامة للعام الدراسي 2024-2025م في الموعد المقرر سلفا، مؤكدا أن العملية الامتحانية لطلاب الثانوية العامة بقسميه (العلمي والأدبي) ستجرى في موعدها المحدد دون أي تأجيل، زاعما أن جميع المحافظات قد استكملت المنهج الدراسي المقرر وفق الخطة الزمنية المعتمدة كذبا وزورا.

وجاء في البيان:

1- تؤكد اللجنة أن الامتحانات العامة للعام الدراسي 2024-2025م ستنطلق في موعدها المحدد سابقًا، بعد أن استكملت جميع الاستعدادات الفنية والإدارية.
2- تم استكمال المنهج الدراسي المقرر لطلاب الثانوية العامة (القسمين العلمي والأدبي) في جميع المحافظات وفق الخطة الزمنية المعتمدة، وبحسب تقارير الإنجاز.
3- تم تشكيل لجنة وزارية بإشراف مباشر من اللجنة العليا للامتحانات للتنسيق مع مكتب التربية والتعليم بمحافظة عدن ومديري إدارات التربية والتعليم في المديريات، وقد أفاد تقرير مكتب التربية والتعليم بالمحافظة الصادر في 13 أبريل 2025م بأنه استكمل إنجاز المنهج الدراسي للفصل الأول بحسب تأكيد مديري إدارات التربية والتعليم في مديريات عدن وفق الجدول المعد له وانتظام الدراسة لاستكمال ما تبقى من المنهج حتى موعد الامتحانات.
4- تم توجيه المطبعة السرية بإعداد أسئلة محافظة عدن بناء على تقرير مكتب التربية بالمحافظة.

في ظل عدم تحلي وزارة التربية والتعليم بمسؤولياتها تجاه أبناءها الطلاب واختيارها تقديم مصلحتها الشخصية على مصلحة الطلاب لتغطي سوأة فشلها وخيبتها وإخفاقاتها تجاه استحقاقات المعلمين ليتحمل وزر صراعاتها طلاب ثالث ثانوي وأقرت مسلك العبث بالمال العام لإشباع رغباتها من خلال تبذير المخصصات المالية وصرف الميزانيات لإقامة امتحانات وزارية يعتزم أولياء أمور الطلاب رفع دعوى قضائية في المحكمة الإدارية ضد إجحاف وزارة التربية واستدعاء مدراء مدارس العاصمة عدن لأداء اليمين الغموس في المحكمة وإبطال زيف اللجنة العليا للامتحانات باستكمال المنهج الدراسي للفصل الأول قبل 13 ابريل 2025.

كان الأحرى بوزارة التربية تعويض الفاقد التعليمي بآلية عملية وعادلة وإيجاد حل جذري ودائم لمشكلة رواتب المعلمين فأمة لا تتعلم، أمة لا تتقدم، لا تقتلوا ما تبقى من الأمل فيهم.

زر الذهاب إلى الأعلى