النقابي الجنوبي: اعلان كاك بنك
تحقيقات

الجنوب على هامش الصراع: كيف تستخدم القوى اليمنية مفهوم الوطنية لتحقيق الهيمنة؟

_خلف أقنعة الوطنية .. صراع القوى السياسية في اليمن ومصير الجنوب
– من الشعارات إلى الأهداف الخفية.
– ازدواجية الخطاب وتزييف الواقع.
– الجنوب.. المستهدف الدائم.
– لا مشروع وطني في الأفق
الوحدة.. شعار للهيمنة فقط.
– الاقتصاد.. محرّك الصراع الحقيقي.
– الجنوب.. التهديد المشترك في نظر الشمال.
– نحو بديل حقيقي: تفكيك خطاب الوطن الزائف.

النقابي الجنوبي/خاص

في قراءة تحليلية جريئة وعميقة، يفكك الدكتور أمين العلياني بنية الخطاب السياسي للقوى اليمنية الشمالية، سواء تلك المؤيدة للحوثيين أو المنخرطة في “الشرعية” بلباسها الشمالي، موضحًا أن ما يُسوَّق على أنه خطاب وطني وشعبي، ما هو في حقيقته إلا غطاء دعائي يخفي صراعًا محمومًا على السلطة، تتقاطع فيه مصالح الزعامات القبلية والعسكرية والمصالح الاقتصادية مع أجندات الخارج.

من الشعارات إلى الأهداف الخفية

يرى العلياني أن مفردتي “الوطن” و”الشعب” قد جرى استهلاكهما شمالًا لأغراض نفعية بحتة. فمليشيا الحوثي تروج مشروعها بأنه تحرري يواجه الاحتلال السعودي والإماراتي، بينما تدعي قوى الشمال “الشرعية” أنها تستعيد الدولة وتحارب الانقلاب. لكن كليهما يخوض معركته الحقيقية على النفوذ والسلطة والثروة، لا على المبادئ ولا من أجل اليمنيين.

“نحتاج إلى تحليل بنيوي يتجاوز الظاهر إلى الباطن، ويكشف التناقض بين الشعارات (الوطن/الشعب) والممارسات (الصراع على السلطة)

وفي هذا السياق، تصبح مفردة “الشعب” مجرد ستار يُستخدم وقت الحاجة، ثم يُطوى عندما تتحقق المصالح. الجميع يوظف الخطاب الوطني لكسب الوقت أو الشرعية أو التمويل، لكن الفعل السياسي والميداني يكشف نوايا مغايرة تمامًا.

ازدواجية الخطاب وتزييف الواقع

بحسب الدكتور العلياني، فإن الشماليين – حوثيين كانوا أو من قوى “الشرعية” – ينطلقون من خطاب مزدوج: خطاب علني يرفع راية الوطن، وخطاب باطني يُدير المعركة من خلف الكواليس من أجل زعامة النفوذ والسيطرة على موارد الجنوب.

“جميع الأطراف الشمالية سواء كانت حوثية انقلابية أم شرعية شمالية تستخدم الشعب كغطاء لشرعنة الصراع، بينما تخفي التنافس على الزعامات العسكرية/القبلية بهدف أن تتصدر وجاهة النفوذ.”

ويتجلى هذا التناقض بوضوح في التحالفات المتبدلة والمتناقضة. فالإصلاح سبق أن تحالف مع الحوثيين ضد المؤتمر، ثم اختلف معهما، وهكذا يتقاطع الكل مع الكل حسب لحظة المصلحة.

الجنوب.. المستهدف الدائم

يشكل الجنوب، بحسب رؤية العلياني، جوهرًا ثابتًا في استراتيجية التهميش والتآمر لدى القوى الشمالية المتصارعة. فمن جهة لا يعترف الحوثيون بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم، ويصوّرونهم عملاء، ومن جهة أخرى لا تحترم “الشرعية” إرادة الجنوب في مناطقهم المحررة، بل تعمل على تقويضها من الداخل.

“هل قوى الشمال الشرعية والمناهضة للحوثي تُحترم إرادة شعب الجنوب في محافظاتهم الجنوبية المحررة التي تكرس الفساد وشراء الذمم والاستقطابات الحزبية بهدف تفتيت هويتهم الجنوبية؟”

ويمضي العلياني إلى المقارنة بين سلوك الحوثيين في صنعاء وسلوك الشرعية في عدن، ليؤكد أن آليات التهميش واحدة، وإن اختلفت الشعارات: فالقمع والاستبعاد في صنعاء يُقابله الفساد وانهيار الخدمات في عدن، وكلاهما يُنتج خنقًا سياسيًا ومعيشيًا موجهًا ضد الجنوب.

لا مشروع وطني في الأفق

يشدد الدكتور العلياني على أن كلا الطرفين يفتقر إلى مشروع وطني داخلي حقيقي، وكل ما يتم عرضه هو مجرد أطر خطابية للاستهلاك المحلي والخارجي. الحوثي يعتمد على إيران، والشرعية تعتمد على قطر وتركيا وعمان والسعودية، دون امتلاك قاعدة سياسية وطنية صلبة.

“جميعهم يفشلون في بناء مشروع داخلي يقوم على الولاء والتحالفات، لكنه يفصل إلى انقسامات المكونات داخل الحوثي والقوى الشمالية الشرعية (الإصلاح، المؤتمر، الناصري والبعثي).”

ويكشف هذا التفكك أن الأولوية ليست للوطن أو الدولة، بل لمراكز النفوذ، ولهذا يغيب أي حضور مؤسسي حقيقي أو خارطة سياسية واضحة المعالم.

الوحدة.. شعار للهيمنة فقط

في واحدة من أهم ملاحظاته، يؤكد العلياني أن الوحدة اليمنية لم تعد مشروعًا وطنيًا بقدر ما تحوّلت إلى أداة سلطوية. فالخطاب الوحدوي الشمالي، حوثيًا أو شرعيًا، ما هو إلا غلاف لتبرير السيطرة السياسية على الجنوب، وليس لإقامة دولة متكاملة تحترم الإرادات المحلية.

“ادعاء تمثيل كل اليمن مع تغييب قضية شعب الجنوب واختزالها بالمطالب الحقوقية أحيانًا والدفع بأجندات تفتت هويتهم بهدف إعاقة أي تقدم لمشروعهم الداعي إلى استعادة دولتهم.”

الاقتصاد.. محرّك الصراع الحقيقي

يشير الدكتور العلياني بوضوح إلى أن جذور الصراع ليست سياسية فحسب، بل اقتصادية بالدرجة الأولى. فالنفط والموارد والمساعدات هي المحرك الأول لكل التحركات العسكرية والسياسية، وليس حقوق الناس ولا أمنهم.

“جميع الأطراف تستميت للسيطرة على الموارد (موانئ، غاز، مساعدات) أكثر من اهتمامها بالخدمات… معارك مأرب والجوف لم تكن وطنية، بل صراعًا على عائدات النفط.”

ويضيف أن اقتصاد الحرب الذي تكرسه جميع القوى، سواء في صنعاء أو عدن أو مأرب، يُسهم في إبقاء الشعب فقيرًا ومرتهنًا، بينما تتضخم ثروات الزعامات.

الجنوب.. التهديد المشترك في نظر الشمال

يرى العلياني أن المجلس الانتقالي الجنوبي، بما يمثله من مشروع تحرري وواقعي، يُشكل هاجسًا مشتركًا للقوى الشمالية، التي تسعى لشيطنته وتقديمه كتهديد أمام التحالف العربي.

“يصورون للتحالف العربي أن المجلس الانتقالي يدعو إلى استقلال الجنوب من خلال امتلاكه سلطة التمثيل الشرعي في استعادة الدولة بدعم إماراتي مع أجندات شمالية ضد وحدة الجنوب.

والهدف من ذلك، كما يُحلل، هو استمرار عزل الجنوب سياسيًا وإبقاؤه تابعًا للقوى الشمالية المتصارعة.

نحو بديل حقيقي: تفكيك خطاب الوطن الزائف

في خاتمة تحليله، يدعو الدكتور العلياني إلى ضرورة إعادة تعريف مفاهيم الوطنية والانتماء، عبر نزع القداسة عن الخطاب الشمالي المتاجر بالوطن والشعب، والانطلاق نحو مساءلة حقيقية للقوى السياسية ومشاريعها.

“البديل: تفكيك خطاب ‘الوطن المقدس’ بإظهار أنه مجرد غطاء لصراع مصالح، ودعوة إلى مساءلة القوى السياسية عبر: إعادة تعريف ‘الوطنية’ بالانتماء للشعب لا للزعامات، وكشف اقتصاد الحرب عبر تقارير موثقة، وتفعيل دور المجتمع المدني المستقل.”

ويلخص إلى أن الجنوب اليوم، بإرادته الواضحة ومشروعه الصاعد، لا ينبغي أن يكون مجرد ورقة تفاوض أو حقل تجريب، بل يجب أن يُعامل كطرف أصيل يملك رؤية واضحة ومشروعة لاستعادة دولته وهويته.

زر الذهاب إلى الأعلى