مليونية «حضرموت أولاً» تكشف زيف الهضبة: الجماهير تقرر والحقائق تفضح المزيفين

من هضبة حضرموت في 12 أبريل إلى المكلا في 24 أبريل.. مشهدان متناقضان يحددان اتجاه البوصلة الجنوبية في ذكرى تحرير الساحل
من الذي يعبّر عن حضرموت؟ من يقف في صفها ومن يختطف صوتها؟ ولماذا تكشف فعالية المكلا الأخيرة هشاشة المشاريع الأخرى؟ كيف احتشد البسطاء في ساحة الحرية، بينما كان المال والسلاح يديران المشهد من فوق الهضبة؟ أي الفعاليتين تعكس الإرادة الشعبية؟ وأيّ خطاب يهدد النسيج الحضرمي الجنوبي؟
النقابي الجنوبي / تقرير/ هشام صويلح
في 12 أبريل 2025، نظّم عمرو بن حبريش فعالية في هضبة حضرموت محاولًا استعراض قوة مناطقية موهومة. لكن بعد أقل من أسبوعين، وتحديدًا في 24 أبريل، جاء الرد الجماهيري من المكلا في فعالية “حضرموت أولاً”، ليحسم النقاش حول من يمثّل الإرادة الحقيقية لأبناء المحافظة.
لم تكن المكلا تحتفل فقط بذكرى تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب، بل كانت ترسم حدودًا واضحة بين مشروعين: أحدهما جنوبي الهوية والوجهة، والآخر يسعى لإعادة إنتاج الاحتلال السياسي والرمزي تحت مسميات مناطقية فارغة.
المكلا: حشود بلا شاصات.. ورايات بلا تمويل
في وسط هذا المشهد، تسطع شهادة الناشط أسامة خالد بن منيف، التي التقطت تفاصيل دقيقة عن تركيبة الجماهير التي ملأت ساحة فعالية “حضرموت أولاً” ، إذ يقول ساخرًا:
“يا جماعة الخير تفحصت هذه الصورة وكبرتها ثمانية وسبعين مرة وصغرتها مرتين بس عشان أدور على شاص فوقه معدل ولا سيارة فارهة… ما حصلت أحد. كلهم ناس بسطاء متواضعين راكبين سيارات أجرة والقليل منهم بسيارات خاصة متواضعة!”
هذه المقارنة العفوية بين المشهد الشعبي في المكلا والمشهد في الهضبة، تلخص جوهر الفارق: في المكلا خرج الناس لأنهم يعانون، وفي الهضبة جُلبوا ليُزيّفوا الحقيقة. يضيف بن منيف:
“فأسألكم بالله، من الصادق الذي يعاني الجوع وانعدام الخدمات… هذا المواطن البسيط، أم من خرج يتبختر بسيارات اللكزس والشاصات ويتفاخرون بأن المنطقة الفلانية جهزت 200 شاص؟!”
الهضبة: الكاميرات تخفي المرتزقة
ما أكده بن منيف يتكرر بوضوح أكبر في شهادة الصحفي عبدالله قردع الذي قال في مقارنة مباشرة بين فعالية 12 أبريل في الهضبة وفعالية 24 أبريل في المكلا:
“في الهضبة يقولوا للمشاركين اتباعدوا من أجل تبانوا كثير، وفي المكلا يقولوا لهم اتقاربوا من أجل يجد الجميع سعة… شتان بين هذا وذاك.”
وصف قردع مشهد الهضبة بأنه مليء بـ”الشاصات، الحراسات، السلاح، والمرتزقة”، معتبرًا أن “المادة كانت هي الدافع لحضورهم”، بينما في المكلا كان “الناس البسطاء والفقراء هم الحاضرون، والدافع هو المبادئ والوطنية والانتماء”.
ويمضي في كشف الصورة أكثر:
“هناك… في الهضبة، مجاميع منبوذة لا حاضنة مدنية لهم، وهنا… في المكلا، جماهير مدنية حضارية غفيرة تحتفل في حاضنتها وعاصمتها، المكلا، وتحت راية ممثلها الشرعي المجلس الانتقالي الجنوبي.”
ناهد حنبلة: إرادة حضرموت لا تُشترى
الناشطة ناهد حنبلة عبّرت عن الحدث بوصفه انتصارًا للإرادة الجمعية في وجه محاولات التشويه والاختطاف، قائلة:
“أسمعت حضرموت اليوم من به صمم بأنها جزء لا يتجزأ من الجسد الجنوبي ويرفضون أي دعوات مناطقية دخيلة على مجتمعهم.”
واعتبرت أن المشهد في المكلا “ليس احتفالًا، بل رسالة قوية عن وحدة الصف الحضرمي، وعزم الشعب على تحقيق مطالبه المشروعة”.
وما بين كلماتها المعبّرة عن الموقف الشعبي، تمرر ناهد حنبلة تحذيرًا سياسيًا واضحًا:
“نقول اليوم للمتآمرين والخونة إن الجنوب إرادة لا تنكسر، وإن أي مشروع يسعى لتمزيق الصف الجنوبي من المهرة إلى باب المندب سيصطدم بشعب جبار لا ينكسر.”
الدويل: فعالية المكلا كانت استفتاءً حقيقياً
أما الكاتب والمحلل السياسي صالح علي الدويل، فقدّم قراءة استراتيجية للحدث، مؤكدًا أن فعالية المكلا حملت شعار “نكون أو لا نكون”، ووصفها بأنها كانت “استفتاءً حضرمياً لمنع تزوير الإرادة”.
ويرى أن ما جرى لم يكن مجرد فعالية جماهيرية، بل “قياس حضاري حقيقي لإرادتها ومعياراً لحقيقة انتمائها”، حيث خرجت حضرموت لتقول:
“لا للاحتلال اليمني، لا للإرهاب، لا لتزوير إرادتها.”
وأكد الدويل أن الرسائل وصلت بوضوح إلى الداخل والخارج:
“قالت حضرموت: نحن حضرموت، لمحافظتنا حقوق لن نساوم عليها، ولنا قضيتنا الجنوبية لن نساوم عليها.”
وفي عرضه للتضليل الإعلامي، كشف الدويل أن معارضي الفعالية أصدروا “23 بياناً مزوراً في يوم واحد” محاولين الإيهام بأن الفعالية قد أُلغيت. لكنها – يقول – “ألجمت ذباب الشلة وحددت الأحجام والأوزان والمصداقية”.
من 2016 إلى 2025: ذكرى التحرير ومواصلة المعركة
لعل التذكير بالسياق التاريخي ضروري لفهم رمزية هذه الذكرى؛ ففي 24 أبريل 2016، خاضت قوات النخبة الحضرمية معركتها الكبرى ضد عناصر تنظيم القاعدة، وحررت مدينة المكلا وساحل حضرموت من قبضة الإرهاب.
ومنذ ذلك الحين، لم تكن الذكرى مناسبة للاحتفال فحسب، بل محطة لتجديد الوفاء بين الحضارم ونخبتهم والعهد لمشروع دولة الجنوب الفيدرالية
وهنا يقول الدويل:
“24 أبريل يوم تحريرها من الإرهاب، فخرجت لإحياء ذكرى هزيمته من ساحلها، الذي خاضت قوات نخبتها معركة التحرير ضده.”
لحظة فارقة.. وموقف مطلوب
في النهاية، تتكامل المشاهد الثلاثة: شهادة بن منيف عن فقر الحضور وغنى القناعة، وتحليل قردع بين المكلا والهضبة، ورسالة حنبلة حول وحدة الصف، وقراءة الدويل لمعركة الشرعية والتمثيل.
كلها تصوغ لوحة واحدة تقول: حضرموت ليست ساحة لتزوير الإرادة، ولا للمشاريع الموسمية، بل جزء أصيل من مشروع وطني جنوبي كبير.
ويبقى السؤال الذي ختم به بن منيف حديثه معلقًا في أذهان الجميع:
“فمن الصادق؟ من يتحدث باسم حضرموت حقًا؟!”
الجواب جاء من الشارع، من الجماهير، من ساحة المكلا في 24 أبريل..
لا من فعالية الهضبة في 12 أبريل، ولا من الشاصات المصطفة بانتظار من يدفع.