اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

تحول خطابي زائف في طهران: تجميل الاستبداد بعبارات الانفتاح

النقابي الجنوبي/خاص

في أعقاب الحرب الأخيرة، يحاول النظام الإيراني ترويج إصلاحات سطحية تحت غطاء “إيران أولًا”، لكن الخطاب المنمق لا يخفي بنيته السلطوية وحرصه على ضبط المجتمع بدل إشراكه.

منذ انتهاء المواجهات مع إسرائيل، يُكثف النظام الإيراني جهوده لإعادة إنتاج شرعيته داخليًا، عبر موجة تصريحات تُغلف بعبارات الانفتاح والمرونة، لكنها تُظهر بوضوح أن الهدف الرئيس ليس الإصلاح، بل تأمين استمرارية الحكم وسط تصاعد السخط الشعبي والتراجع الدولي.

إصلاحات شكلية لإطالة عمر النظام

تصريحات علي أكبر ولايتي، أحد رموز الحرس المحافظ، جاءت لتؤكد أن ما يُطرح لا يتعدى كونه مراجعة أسلوبية لا بنيوية. حديثه عن “فشل الأساليب القديمة” و”دور المسؤولين” ليس نقدًا ذاتيًا بقدر ما هو محاولة لتفادي موجة غضب شعبية باتت تطرق أبواب مراكز القرار.

أما المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني، فتحدثت عن “الرضا، والثقة، ورأس المال الاجتماعي”، في محاولة لتغليف واقع التهميش والانقسام السياسي بمفاهيم مصقولة. لكن النظام الذي يمنع الأحزاب الحقيقية ويقصي كل صوت مستقل، لا يستطيع فجأة أن يقدّم نفسه شريكًا للمجتمع.

“إيران أولًا”: شعار قومجي يعيد إنتاج الولاء

ما يُسمى برفع شعار “إيران أولًا” لا يعكس توجهًا سياديًا حقيقيًا، بل هو إعادة إنتاج الولاء لنظام ديني يضيق بالمجتمع أكثر مما يضيق بالخارج. إنه خطاب استيعابي تكتيكي، يهدف إلى تجنيد الشارع عبر تعابير عاطفية ووطنية، بينما تستمر مؤسسات القمع والتمييز الديني والعرقي في أداء وظيفتها دون مساءلة.

الحوار مع المعارضة: استعراض إعلامي لا تغيير مؤسسي

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حاول الترويج لفكرة “الحوار مع المعارضة”، لكنه في الوقت نفسه أقر بأن “الإصلاحات قد تستغرق عقدًا من الزمن”، وهو ما يُفهم منه أن النظام لا ينوي إحداث أي تغييرات جوهرية في هيكل السلطة.

هذا الطرح يتجاهل أن أي حوار حقيقي لا يمكن أن يتم في ظل قبضة أمنية مطلقة، ومحاكمات صورية، وتضييق على الحريات، واحتكار كامل للمجال السياسي من قبل فئة واحدة.

عقيدة خارجية متلونة لتجنب العزلة

وفي مقابلة حديثة مع سكاي نيوز، نفى عباس عراقجي وجود أي نية لدى إيران للقيام بعمليات خارجية تستهدف مسؤولين غربيين، مشيرًا إلى أن بلاده “لا تتبنى سياسات الاغتيال”، وهي تصريحات تتناقض مع سلوك طهران طويل الأمد القائم على التصعيد والعداء، سواء عبر التصريحات المتطرفة أو عبر أذرعها الأمنية خارج الحدود.

هذا التراجع في الخطاب الخارجي لا ينبع من تحوّل فكري، بل هو انعكاس لحسابات التكلفة. النظام، الذي لطالما تغذى على عداء الغرب، وجد نفسه بعد الحرب الأخيرة في موقف ضعف، يسعى من خلاله إلى استعادة بعض الهدوء الدبلوماسي، دون أن يتخلى فعليًا عن أدواته التقليدية في زعزعة الاستقرار الإقليمي.

إصلاحات زائفة وترميم واجهة السلطة.. استمرار الاستبداد الإيراني”

الرسائل التي تبثها طهران حاليًا، سواء عبر تصريحات مسؤوليها أو عبر الإعلام الموالي، لا تعكس تحوّلًا جذريًا، بل تعبّر عن قلق سياسي مقنّع، وتؤشر إلى مرحلة “إصلاح الواجهة” دون المساس بجوهر النظام.

ما تسوقه إيران من “مرحلة جديدة” و”إشراك للشعب” و”حوار داخلي” ما هو إلا عملية ترميم لسلطة تعاني من تآكل داخلي، واضطرار استراتيجي لخفض النبرة الخارجية، بانتظار لحظة إعادة التموضع.

زر الذهاب إلى الأعلى