اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

من القرن الأفريقي إلى الجنوب.. هجرة الأفارقة غير الشرعية تثير تساؤلات حول أسبابها ودوافعها ومن يقف خلفها؟

تظل قضية الهجرة غير الشرعية أمرا مؤرقا في العلاقة بين البلدان المتقدمة والأخرى النامية وفيما بين دول العالم الثالث ذاتها نظرا لارتباطها بالعديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية فسوء الأحوال السياسية والاقتصادية يدفع الأفراد للهجرة من الدول النامية إلى تلك المتقدمة. 

وتعد هذه الظاهرة من أخطر القضايا الاجتماعية التي لاتزال تفرز أعباء على المجتمع الدولي والدول المستقبلة وهي مشكلة شديدة الحساسية كونها تمس جميع شرائح المجتمع الدولي بحيث أصبحت لا تقتصر على الشباب وخاصة الذكور منهم بل ارتفع خط بيانها إلى فئة الإناث فالهجرة غير الشرعية ظاهرة عالمية موجودة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الإتحاد الأوروبي وكذا الدول النامية باسيا كدول الخليج العربي ودول المشرق العربي وفي أمريكا اللاتينية وأفريقيا.

ووفقا لتقرير حديث للأمم المتحدة لقي نحو 50 ألف شخص مصرعهم على طرق الهجرة في جميع أنحاء العالم منذ عام 2014، وكانت معظم الوفيات في طرق الهجرة المؤدية نحو أوروبا.

كما شكلت الأحوال الجوية القاهرة وسوء المعاملة التي يتعرض لها المهاجرون من قبل عصابات الاتجار بالبشر هناك سبب آخر للوفاة على طرق الهجرة من خلال السفر خلسة حيث يتم ذلك بوسيلة نقل تسمح للمهاجرين بالتخفي عن الأنظار.

ويبتدع المهاجرون وسائل وحيل للهجرة خلسة متجاهلين المخاطر التي تترتب عليها عملية الاختباء في أماكن خطرة في المركبات والسفن والقطارات أوحتى في مخابئ عجلات الطائرات هي من بين أخطر المغامرات التي يمكن أن يقدم عليها المهاجر.

هذه الرحلات لا تنظمها فقط عصابات تهريب البشر بل في أحيان كثيرة يختارها المهاجرون طواعية اعتقاداً منهم أن اختيار التخفي سيكون أهون وأكثر احتمالاً للنجاح بينما يكون ذلك طريق مختصر نحو حتفهم.

مخاطر الهجرة غير النظامية كثيرة يصعب حصرها تبدأ من الاتجار بالجنس مروراً بالاستغلال والابتزاز المادي وخلال رحلات الهجرة السرية يمكن أن يواجه المهاجر أسوأ أنواع الانتهاكات على أيدي الشبكات الإجرامية ومهربي البشر.

وتكون الرحلات محفوفة بالمخاطر بسبب الطقس كما أوردت تقارير كثيرة حدوث وفيات في صفوف المهاجرين  بسبب حرارة الشمس في الصحراء أو البرد الشديد في الغابات أو غرقهم في البحر.

وتأخذ قضية الهجرة غير الشرعية منحى أكثر سوء وأشد وجعا عندما تنحصر بين الدول النامية التي تعاني انتكاسات وأزمات اقتصادية وحروب أهلية ويحدد المهاجرون وجهتهم نحو دول لا تقل عن بلدانهم وضعا في التدهور الاقتصادي وتردي الأوضاع المعيشية فيما حالة سكانها تحت خط الفقر فرغم ما يعانيه الجنوب العربي من نهب ثرواته وتدمير اقتصاده وتدهور العملة المحلية وارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية إلا أنه يعد من أكثر الدول التي تواجه هذه الظاهرة وتتحمل تبعاتها نتيجة الهجرات الأفريقية غير الشرعية إلى محافظات الجنوب بشكل عام والعاصمة عدن بشكل خاص.

وتشكل الهجرة القسرية القادمة من الدول الافريقية بُعدَا جديدَا إلى جانب التحديات الاخرى التي يواجهها المجتمع المحلي لتزيد أعباء إضافية وتضاعف من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لا سيما في المدن التي استقر بها معظم هؤلاء المهاجرين.

وتزايدت مشكلة الهجرة القسرية الوافدة من الدول الافريقية إلى الجنوب وتحديدا إلى المدن الساحلية كالعاصمة عدن إذ أصبح وجودهم فيها بصورة ملفتة وينتشرون في شوارعها وأحياءها المختلفة وصارت من أبرز المشكلات التي تواجهها السلطات المحلية وسكان المدينة.

تساؤل عريض يضع نفسه يتبعه فرضيات عدة تنتظر إجابات منطقية تثري ثغرات الهجرة القسرية إلى أرض الجنوب..

طبيعة الأسباب الحقيقية وراء الهجرة الإفريقية نحو أراضي الجنوب؟

هل يكون الحلم بتحقيق مستقبل أفضل يراود المهاجر الأفريقي للمخاطرة إلى أرض الجنوب كنقطة انطلاق نحو دول الخليج؟

كيف يمكن أن نتيقن بعدم توافر أهداف أخرى مدفوعة الأجر تجرأ المهاجرين الأفارقة إلى الجنوب؟

ما انعكاسات هذه الهجرة على المجتمع الجنوبي؟

متى يمكن وضع الحلول والمعالجات لهذه الظاهرة التي تنذر بكارثة إنسانية؟

تكمن خطورة ظاهرة الهجرة القسرية الأفريقية على مجتمعنا الجنوبي عبر تغلغلهم في وسط مدن الجنوب بشكل عام وأحياء وشوارع العاصمة عدن بشكل خاص أنها تمثل قنابل موقوتة تتحين الإنفجار في أي لحظة وما سيترتب عليها من مشكلات مختلفة سيكون له بالغ الأثر في المجتمع المحلي.

غالبا ما يختار المهاجرون من القرن الأفريقي طرقات الهجرة السرية أفراداً وجماعات رحلات طويلة سيراً على الأقدام عبر التضاريس الوعرة. في غالب الأحيان تتطلب عبور مناطق معينة لتجنب اكتشافهم من قبل سلطات الحدود.

أنتشار المهاجرين الغير شرعيين بأعداد مهولة في هذا التوقيت المريب في معظم مدن الجنوب خاصة العاصمة عدن ومحافظي لحج وشبوة في بلد جريح خرج من أوجاع حرب يعاني من انقطاع الكهرباء وارتفاع اسعار الوقود وتدني قيمة العملة وضعف القدرة الشرائية وزيادة الغلاء الفاحش وتأخر الرواتب التي لا تفي بحاجة المواطن يثير كثير من التساؤلات والمخاوف المرعبة من مخطط تشكيل مافيا سوداء للقتل وتهريب المخدرات وأوكار الدعارة بحماية السلاح أو أجندات أخرى لعصابات القتل مدفوعة الأجر تتلقى أوامرها من مليشيات الحوثي يعد تجهيزها وإعدادها ليوم معلوم.

حذر الكثير من السياسيين والمفكرين والاعلاميين من مغبة التغاضي عن تكدس المهاجرين الأثيوبيين في العاصمة عدن ومحافظة شبوة
والتجول بشوارعها بكل أريحية واستئجار المنازل وممارسة الأعمال التي يتمتع بها المواطن
منوهين بخطورة صمت السلطة والمجتمع المحلي الذي سيكون الضحية الأولى لهذا الغزو القادم من القرن الأفريقي حيث وتدفق أرتال الأفارقة إلى مدن الجنوب في ازدياد وكأن المواطن يعيش في العاصمة أديس أبابا.

فالعالم كله يحارب الهجرة الغير شرعية إلا الجنوب التي حدوده مفتوحة مباحة لكل عابر وزائر لا تتبع بحقهم معاملة المهاجر الغير شرعي ولا تتخذ ضدهم إجراءات معاملة المهاجر الغير شرعي المتعارف عليها في كل دول العالم في ظل غياب دور فاعل لمنظمة الهجرة الدولية التي يناط في إطار مهمتها تجميعهم بمخيمات خاصة باللجوء وإعادتهم إلى بلدانهم، فكارثة الهجرة الغير شرعية والسيول البشرية السوداء اخطر من اي خطر على مستقبل اجيالنا.

وشهدت العاصمة عدن في العام الماضي اشتباكات دامية بين عرقيتين من المهاجرين الإثيوبيين بعد تمدد المواجهات في عدد من المديريات. وتعاملت الأجهزة الأمنية – بحسب رئيس مكتب تنسيق وتسهيل حركة المنافذ أحمد الوالي – مع الحادثة بمسؤولية مطلقة، ووفقًا لمبادئ حقوق الإنسان وحرصها على حماية المدنيين الذين تضرروا من تلك المواجهات البينية في صفوف المهاجرين غير الشرعيين.

وأكد الوالي أن ما شهدته العاصمة عدن من تصادم بين فصيلين من المهاجرين الأفارقة يُعد مؤشرًا واضحًا على عمق مشكلة الهجرة غير الشرعية وخطورتها على الأمن والاستقرار، الأمر الذي استدعى اتخاذ قرارات وإجراءات لحلها.

ووفق مصادر حقوقية أدى الصدام الدامي بين عرقيتين من المهاجرين الإثيوبيين في مدينة عدن في سبتمبر العام الماضي إلى سقوط قتلى وجرحى قبل أن تتدخل قوات الأمن لاحتواء الموقف ونقل المئات من المهاجرين المنتشرين في أحياء المدينة إلى نقاط تجمع محددة لتسهيل السيطرة على الوضع.

وكان الأجدى من منظمة الهجرة الدولية المعنية بقضايا المهاجرين أن تكرس جهودها في الإسهام بعودة المهاجرين الغير شرعيين إلى ديارهم على متن رحلات العودة الطوعية الإنسانية وأن تواصل مساعدة المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل على العودة أسبوعيا.

وتعلق منظمة الهجرة الدولية فشلها في برامج العودة الطوعية الإنسانية إلى منطقتي تيغراي وأمهرة في إثيوبيا إلى التزامها بسياستها، بشأن العودة والتي تسمح لها بالتوقف عن تقديم مساعدات العودة «عندما ترى أن البيئة في منطقة العودة خطيرة للغاية بالنسبة لفرد أو مجموعة من الأفراد» ليعودوا إليها، أو إذا كان ذلك يشكل تهديدا لموظفي المنظمة المشاركين في تقديم مساعدات العودة وإعادة الإدماج حد قولها.

وفي آواخر العام الماضي نفذت الأجهزة الأمنية في الساحل الغربي حملة انتشار واسعة في مناطق مديرية «ذو باب المندب» لتعزيز الأمن ومكافحة عمليات التهريب سواء تهريب السلاح أو العصابات التي تستغل الهجرة غير المشروعة من الضفة الأفريقية للبحر الأحمر وتحولها إلى تجارة بالبشر.

وأكد قائد الحملة الأمنية العميد حمدان الصبيحي قائد اللواء الأول دعم وإسناد مدير أمن مديرية «ذو باب» أن الحملة مشطت مناطق كثيرة من العمري إلى حوزان والروع والخيشية والعبدلي والسميل والمعقر والجديد والكدحة، حتى محاذاة مديرية الوازعية.

وقال الصبيحي إن الحملة الأمنية داهمت أوكارا يستخدمها المهربون لإدارة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وضبطت عددا من أفراد تلك العصابات.

وأسهمت الحملة الأمنية بانتشار قوات خفر السواحل وعززت جهودها الأمنية باستحداث نقاط مراقبة وأفشلت عددا من محاولات التهريب.

أثبتت الشواهد المتتالية إهمال الحكومة وفشلها على مدار السنوات الماضية في إدارة هذا الملف التي انطوى عليه جل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في العاصمة عدن حيث لم تخصص لهذه المشكلة الحلول والمعالجات التي تضمن الحد من ظاهرة الهجرة الغير شرعية مما يؤكد أن هذه الازمة سوف تتمدد في محافظات الجنوب وسوف تولد أزمات متعددة يصعب معالجتها.

وتفيد التقارير الدولية عن وصول نحو 209 مهاجر غير شرعي نهاية الشهر الفائت إلى سواحل مديرية رضوم بمحافظة شبوة قادمين من منطقة القرن الافريقي.

في غضون ذلك قالت شرطة محافظة شبوة أن المهاجرين غير الشرعيين وصلوا إلى سواحل مديرية رضوم على متن قاربين أنزل الأول 45 مهاجرا غير شرعيا في ساحل غرقة جميعهم يحملون الجنسية الأثيوبية فيما انزل قارب التهريب الآخر 164 مهاجرا غير شرعيا من منطقة القرن الأفريقي في ساحل كبدة من نفس المديرية.

وأشارت إلى محاولة تجميع المهاجرين غير الشرعيين الذين تفرقوا فور وصولهم على امتداد الساحل لاتخاذ الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات.

إلى ذلك كشف تقرير أممي صدر 28 اغسطس 2024 أن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء بلغ أكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء خلال النصف الأول من العام الجاري.

وأكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تقريرها أن إجمالي اللاجئين وطالبي اللجوء الذين تحتضنهم بلادنا خلال الفترة بين يناير – يونيو 2024م بلغ 60,193 شخصاً.

ولفت التقرير إلى أن الصوماليين يشكلون غالبية اللاجئين وطالبي اللجوء بنسبة 64%، يليهم الإثيوبيين (25%)، ثم السوريين (5%)، والبقية من اريتريا والعراق ودول أخرى.

كما كشفت بيانات وزعتها «منظمة الهجرة الدولية» أن عدد المهاجرين الأفارقة الذين يقطعون مسافات طويلة مشياً على الأقدام باتجاه الجنوب خلال النصف الأول من عام 2023 يزيد 3 أضعاف على الأعداد التي وصلت خلال السنوات الثلاث السابقة.

وسجلت بيانات المنظمة أعداد المهاجرين الأفارقة الذين وصلوا البلد حتى شهر يونيو (حزيران) 2023 ارتفاعاً قياسياً تجاوزت 77 ألف مهاجر وهو يفوق ما سُجل طوال العام 2022 الذي بلغ عدد المهاجرين الواصلين فيه 73 ألف مهاجر فيما كانت الأعداد في العام الذي سبقه 27 ألف مهاجر فقط، مقابل تسجيل وصول 37 ألف مهاجر خلال عام 2020.

عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة تقطعت بهم السبل في البلد وازداد شتاتهم وضاع حلمهم في سراب رحلتهم.

وعزت منظمة الهجرة الدولية الزيادة الكبيرة في تدفق المهاجرين إلى استمرار الصراع في دول القرن الأفريقي خصوصاً إثيوبيا والصومال وتدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية والاقتصادية بالإضافة إلى انتهاء القيود التي كانت مفروضة على التنقل بسبب فيروس «كورونا» إذ يراود غالبيتهم حلم الوصول إلى دول الخليج للبحث عن عمل إلا أنهم يواجهون انتهاكات وصعوبات ووصولاً محدودا للغاية إلى الخدمات الأساسية مثل المأوى والغذاء والمياه والرعاية الصحية.

من خلال ذلك نجد أن هناك جملة من العوامل التي تؤثر على الهجرة في البلد التي يقطنها المهاجر والبلد التي يسعى الوصول إليها حيث تؤكد الوقائع أن الجنوب يواجه تحديات على مختلف الصعد لايحتمل استقبال المهاجرين كونه يتعرض لحالة حرب من الإرهاب والقوى اليمنية وغير آمن كما أن الوضع الاقتصادي في الجنوب سىء يعاني انتكاسات متوالية يرافقه فشل سياسي وغلاء في كل شيء لايستوعب احتضان أعداد اللاجئين القادمين من القرن الإفريقي لتستقر في الجنوب أو تتخذها محطة عبور للهجرة.

بدوره جدد وزير الدولة محافظ العاصمة عدن أحمد حامد لملس دعوته لعقد مؤتمر إقليمي برعاية الأمم المتحدة لمعالجة الهجرة غير الشرعية وضرورة التحوّل من الدعم الطارئ إلى الدعم المستدام.

وأكد لملس خلال لقاءه جوليان هارنيس منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة أن السلطة المحلية سبق أن دعت إلى عقد مؤتمر إقليمي يجمع دول المصدر والممر والوصول لوضع حلول جذرية لمشكلة الهجرة غير الشرعية موضحا أن العاصمة عدن تواجه العديد من المخاطر أمنيا وصحيا نتيجة الانتشار العشوائي للمهاجرين من القرن الأفريقي وعدم وجود مراكز إيواء خاصة بهم.

نلخص إلى أن فكرة الهجرة لم تكن ترفا أو نزهة بل نتيجة معاناة لواقع أفرزته قضايا مجتمعية لعبت دورا مهما على المدى الطويل رغم أن “الأمية” رافقت معظم المهاجرين إلا أنهم استطاعوا اكتساب مهارات ومعارف ودراية بالبلدان وثقافات الشعوب التي هاجروا إليها فصاروا يعيدون إنتاجها في حكايات يروونها هم أو يرويها غيرهم عنهم.




زر الذهاب إلى الأعلى