اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
مقالات الراي الجنوبي

محطة الحسوة.. عملاق وبنيان شامخ

 

ثروت جيزاني

على أطراف عدن، وعلى مقربة من البحر، تقف محطة الحسوة الكهروحرارية، أو ما تُعرف باسم محطة الفقيد طرموم، كأحد أبرز الصروح الصناعية في تاريخ الطاقة في الوطن، وواحدة من (أقل محطات التوليد تكلفةً) .

ورغم مرور عقود على تأسيسها، لا تزال هذه المحطة تمتلك في داخلها من الإمكانات ما يجعلها قادرة على لعب دورٍ محوري في مستقبل الطاقة والتدريب والصناعة في البلاد، لو أُحسن استثمارها كما ينبغي.

تأسست محطة الحسوة عام 1979 بدعمٍ من الاتحاد السوفيتي السابق، وبدأت أولى وحدات التوليد عملها عام 1987، قبل أن تدخل الخدمة الكاملة في 1989 بقدرة إنتاجية أولية بلغت 67 ميجاوات.

وقد صُممت لتكون محطة مزدوجة الهدف: توليد الكهرباء وتحلية المياه لتزويد محافظات عدن ولحج وأبين، فكانت بحق مشروعًا استراتيجيًا متكاملًا جمع بين البنية التحتية المتطورة والرؤية الوطنية الطموحة.

ما يميز هذه المحطة حقًا ليس قدرتها الإنتاجية للطاقة الكهربائية فحسب، بل تكاملها الفني والهندسي. فهي تضم محطة تحويل لضبط الجهد الكهربائي لإستقرار الشبكة، وأنظمة تحكم دقيقة تشرف على التشغيل والمراقبة، إلى جانب محولات كهربائية متطورة، وخطوط نقل علوية وكابلات أرضية تمثل شرايين الطاقة في المنطقة.

كما يتميز تصميمها الهندسي بإمكانية استيعاب توسعات مستقبلية، ما يجعلها قاعدة جاهزة لأي تطوير قادم وقد كان .

داخل أسوار المحطة ينبض عالم آخر من الخبرة والإبداع؛ ورش فنية متكاملة تعمل كقلب صناعي نابض قادر على التصنيع والصيانة والإصلاح الذاتي.

تضم المحطة ورشة خراطة ضخمة بإشراف فنيين محليين ذوي خبرة رفيعة، قادرة على تصنيع قطع غيار معقدة ليس فقط لمحطة الحسوة بل لمحطات توليد أخرى في البلاد.

وإلى جانبها، توجد تسع ورش إصلاحات ميكانيكية وكهربائية ذات تجهيزات متقدمة، يمكنها التعامل مع الأعطال الطارئة دون الحاجة إلى دعم خارجي، وهو ما يجعل المحطة نموذجًا للاستقلالية والكفاءة في إدارة وصيانة المرافق الحيوية.

غير أن ما يستحق التوقف أمامه بإعجاب – وربما بحسرة – هو المركز التدريبي الضخم داخل المحطة، ذلك (المبنى المدور ) الجميل الذي صُمم ليكون مركزًا متكاملًا للتدريب الفني والإداري والمالي.

يضم المركز أربع قاعات تدريب حديثة مجهزة بأحدث الوسائل، قادرة على استيعاب أكثر من 200 متدرب في الدورة الواحدة.

وقد احتضن هذا المركز خلال سنواتٍ مضت العديد من الدورات التأهيلية والتطويرية لموظفي المحطة وجهاتٍ أخرى من داخل عدن وخارجها، بل أصبح محطة تطبيق ميداني لطلاب كليات الهندسة بجامعة عدن وجامعات أخرى  لتنفيذ مشاريع التخرج والتدريب العملي.

ومع ذلك، لا يزال هذا المركز مهمّشًا وغير مستغل كما يجب، بسبب غياب الموازنات التشغيلية والإدارية، وكأنه تحفة فنية نادرة وُضعت على الرف تنتظر من يزيل عنها الغبار.

والمفارقة أن الإمكانات اللوجستية والفنية متوفرة، والكوادر البشرية موجودة، لكن غياب القرار والرؤية جعل من هذه المحطة العملاقة مجرد ظلٍ لما كانت عليه.

إن محطة الفقيد طرموم بالحسوة ليست مجرد منشأة كهربائية، بل مشروع وطني متكامل يجمع بين إنتاج الطاقة منخفضة التكلفة، والصيانة، والتصنيع، والتدريب.

ولو أُعيد تفعيلها بالشكل الصحيح، لأصبحت مركزًا وطنيًا للتدريب الفني ومصدرًا لإنتاج الكفاءات في مجالات الهندسة والطاقة والإدارة المالية.

بل يمكن أن تتحول إلى نقطة انطلاق استراتيجية لدعم منظومة الكهرباء في البلاد من خلال استثمار ورشها الفنية ومركزها التدريبي لتأهيل الكوادر وصيانة محطات التوليد الأخرى.

لقد آن الأوان للنظر إلى محطة الحسوة بعينٍ مختلفة؛ لا كماضٍ صناعي مجيد، بل كفرصة مستقبلية واعدة يمكن البناء عليها لتحقيق الاستدامة الطاقوية.

الاهتمام بهذه المحطة وإعادة تأهيلها وتفعيل مركزها التدريبي سيعني بناء جيلٍ جديد من الفنيين والإداريين  القادرين على قيادة قطاع الطاقة بكفاءة واقتدار.

إن محطة الحسوة ليست قصة من الماضي، بل مشروع وطني عملاق ينتظر أن يُستيقظ من سباته. وبين جدرانها القديمة وأجهزتها الحديدية تختبئ روح وطن يمكن أن ينهض من جديد، حين يؤمن بأن الاستثمار في المعرفة والإنتاج الذاتي هو الطريق الأقصر نحو النهوض.

ثروت جيزاني

31 اكتوبر 2025

زر الذهاب إلى الأعلى