قرارات الرئيس الزُبيدي … خطوة جوهرية نحو تثبيت الحلم الجنوبي

قرارات الرئيس الزبيدي… خطوة جوهرية نحو تثبيت الحلم الجنوبي
كتب. د. عبدالرزاق عبدالله أحمد البكري. باحث سياسي وأكاديمي.
في لحظة فارقة من مسار القضية الجنوبية، جاءت قرارات الرئيس عيدروس قاسم الزبيدي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، لتشكل نقلة نوعية في بنية المشهد السياسي والإداري في الجنوب. هذه القرارات الشجاعة، التي طالما انتظرها شعب الجنوب، لم تكن ارتجالية أو ظرفية، بل ثمرة حسابات دقيقة ورؤية استراتيجية متكاملة، تهدف إلى تمكين الكوادر الجنوبية من إدارة محافظاتهم بأنفسهم، بعد عقود من التهميش والإقصاء.
لقد أثبتت التجربة أن الجنوب، الذي قدّم أنهارًا من دماء الشهداء الأبرار في مواجهة المليشيات الحوثية ذات النزعة المجوسية، لا يمكن أن يُدار إلا بأبنائه المخلصين. فالأرض التي ارتوت بدماء الأبطال تستحق أن تُدار بيدٍ جنوبية صادقة، تضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. ومن هنا جاءت هذه القرارات كاستجابة حقيقية لتطلعات شعب الجنوب، الذي ما زال يحلم بدولته المنشودة على ترابه الطاهر.
في المقابل، تكشف المفارقة الكبرى عن نفسها في الشمال، حيث لا تزال الأراضي ترزح تحت هيمنة الحوثي. والمشهد هناك يثير تساؤلات جوهرية: هل ارتضى الشماليون فعلاً هذه السيطرة؟ أم أنهم عاجزون أو غير راغبين في استعادة قرارهم الوطني؟ الأخطر من ذلك، أن بعض القوى الشمالية تبدو وكأنها قد فوّضت الحوثي بالسيطرة على صنعاء، بينما تسعى في الوقت ذاته إلى فرض وصاية على الجنوب والتحكم في قراراته، وكأن الجنوب بات الساحة الوحيدة المتاحة لممارسة نفوذهم المفقود.
إن توقيت هذه القرارات يعكس بعدًا سياسيًا بالغ الدقة؛ فهي تأتي في ظل تحولات إقليمية ودولية متسارعة، ووسط محاولات حثيثة لإعادة صياغة توازنات الداخل اليمني والجنوبي. وبترجمتها إلى خطوات عملية على الأرض، يكون الرئيس الزبيدي قد وضع الجنوب على أعتاب مرحلة جديدة، عنوانها التمكين، السيادة، والإدارة الذاتية المسؤولة.
لقد عبّر الشارع الجنوبي بوضوح عن امتنانه وتقديره لهذه الخطوات، معتبرًا إياها تتويجًا لنضال طويل، وتجسيدًا لإرادة سياسية لا تلين. ولعل ما يميز هذه القرارات أنها لم تكتف بتثبيت الحضور الجنوبي في المعادلة الوطنية، بل رسمت أيضًا ملامح مشروع سياسي متكامل، يضع الجنوب في موقع المبادرة لا التبعية.
إنها بحق، قرارات تاريخية ستبقى علامة فارقة في مسيرة الجنوب، ولبنة أساسية في بناء دولته القادمة، مهما حاولت قوى الشمال تعطيل هذا المسار أو الالتفاف عليه. فإرادة الشعوب، متى ما اتحدت وامتلكت أدواتها، لا تُقهر ولا تُختزل.