اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
أدب وثقافة

قبل أن ننام: شاي أحمر ونعناع

 

كتب/ بسمة نصر

 

قبل أن أخلد للنوم، في الليلة الماضية، ضبطت المنبه علـّۓ السادسة صباحا لأستمتع بسحر الصباح… لكن المنبه قرر أخذ عطلة، فاستيقظت عند التاسعة، وكأن الشمس نفسها نسيت موعدها.

لم أتناول الفطور فور استيقاظي، بل جلست في ركني المفضل، شعري منكوش كأنه شارك في مسابقة الريح، والهاتف في يدي أكتب أول خبر. أردت إنهاءه سريعا لأتفرغ للفطور، لكن الكلمات قررت أن تلعب لعبة الاختفاء والظهور، فوجدت نفسي أنشر الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع… وكأن الأخبار كانت تقول لي: “تعالي إلينا، لا تتركي أحدا خلفك”!.

استفاقت أختي ورأتني في هذا الانغماس، فتقدمت نحوي، سرحت شعري وهي تضحك وقالت: “هكذا تكون الأنثى” لم ألتفت إليها كثيرا، إذ كان عقلي معلقا بالكلمات.
سألتني: “هل فطرتي؟” فأجبتها بلا مبالاة بالكلمة التي كنت أكتبها: “أوكرانيا” فانفجرت ضاحكة، كأنها سمعت نكتة القرن، ثم أمسكت برأسي وقالت مجددا: “هل فطرتي؟” فنظرت إليها وأومأت بالنفي، كأنني أخبرتها بسر عالمي.

حضرت لي الفطور وكوب شاي أحمر مع النعناع، وأطعمتني لقمة تلو الأخرى كأنني طفلتها الصغيرة أو دميتها المفضلة. وعندما انتهيت مـِْن الشاي، شعرت بالانتعاش وكأن كل رشفة تمنحني قوة الكلمات مـــِْن جديد.

ثم مرت أختي الأخرى ونظرت إلي وقالت مبتسمة: “سبحان الله، قدمت لك الفطور… أكيد تريدين شيئا بالمقابل، فما في شيء ببلاش”! ثم مضت، تاركة إياي أتعامل مع عبق الشاي بالنعناع.

كانت الساعة تشير إلى الحادية والنصف صباحا حين فتحت مجموعة العمل، وانهالت علي الأخبار من كل جانب. شعرت بالرضا، فأنا أحب صياغة الأخبار، حتى وإن كانت عيناي تقولان لي: “توقفي يا بطلة!” أضيف الأسماء بين قوسين، وأضع العواصم والمدن بين شرطتين، وكأنني أعقد مؤتمرا دوليا صغيرا كل يوم.

حان وقت الظهر، ورغبت أن أتوقف قليلا لأداء الصلاة، لكن زميلي المتعصب استمر بإرسال الأخبار واحدا تلو الآخر، فلم أستطع التوقف، وأكملت العمل حتى النهاية. أحيانا تصلني أخبار محررة مباشرة، وأحيانا أكون أنا الصياغة، لكن دائما أحرص على الدقة… وكأن العالم كله يراقب حرفا واحدا مني.

وعند الثانية بعد الظهر، بدأ جسدي يصرخ: “نريد النوم الآن!” فغفوت حتى التاسعة مساء، ثم شرعت في كتابة الفصل الرابع من رواية “تحت الطاولة”. الرواية جاهزة على الورق، لكن نقلها مـــِْن الحاسوب إلى الهاتف يشبه مهمة البطل في فيلم كوميدي مليء بالمطبات: نصف ساعة، ساعة… وأحيانا الكلمات تندفع من تلقاء نفسها، وكأن اصابعي قررت أن تلعب دور البطولة.

لدي رواية أخرى بعنوان “استراحة محارب”، تصلح لأن تتحول إلى فيلم سينمائي كوميدي… سأكتبها يوما ما.
..-. .. -. .- … -.– …. -.. -.. — -. ..

زر الذهاب إلى الأعلى