تسريب استخباراتي يهز البنتاغون.. هل فشلت الغارات على إيران؟

النقابي الجنوبي/تقرير/ وكالات+ فريق التحرير
في تصعيد سياسي جديد داخل الإدارة الأمريكية، أعلن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث عن فتح تحقيق رسمي في تسريب تقرير استخباراتي بالغ السرية، يتعلق بنتائج الضربات الجوية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية مؤخرًا، وذلك في خضم جدل محتدم بين الرواية الرسمية والتقارير الإعلامية حول فعالية تلك الضربات.
جاء إعلان هيغسيث في مؤتمر صحفي عقده بمدينة لاهاي الهولندية، حيث حمّل جهات إعلامية – أبرزها شبكة “سي إن إن” – مسؤولية تسريب التقرير ووصفه بأنه “مدفوع سياسياً” بهدف تشويه صورة الرئيس دونالد ترامب، الذي اعتبره “ناجحًا للغاية” بحسب وصفه. وأوضح أن التقرير كان مخصصًا للتداول الداخلي ضمن أجهزة الاستخبارات الدفاعية التابعة للبنتاغون، مؤكدًا فتح تحقيق مشترك مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) لتحديد مصدر التسريب.
ووفقًا للتقييم المسرّب الذي نشرته “سي إن إن”، فإن الغارات الأمريكية التي استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية في عطلة نهاية الأسبوع لم تؤدِّ إلى تدمير البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني كما تدعي واشنطن، بل تسببت فقط في تأخير بسيط لا يتعدى بضعة أشهر. هذه الرواية تتناقض مع التصريحات الرسمية الأمريكية، التي أكدت “تدمير القدرة النووية الإيرانية بالكامل”، وفقًا لما نقله هيغسيث عن الرئيس ترامب.
وأشار هيغسيث إلى أن القنابل الأمريكية “أصابت أهدافها بدقة وحققت الأضرار المتوقعة”، مشددًا على أن “إيران تعرف هذا أيضًا”، في إشارة إلى تقييم ميداني يدّعي تحقيق أهداف الضربة. إلا أن اللافت في حديثه كان تصريحه الاستعراضي: “إذا أردت أن تقيّم ما حدث في مفاعل فوردو، فعليك أن تأخذ مجرفة وتحفر عميقًا، لأن البرنامج النووي تم تدميره”، ما اعتُبر ردًا تهكميًا على التشكيك الإعلامي في نتائج العملية.
تأتي هذه التصريحات في أعقاب تصعيد عسكري متواصل بدأ في 13 يونيو/ حزيران الجاري، حينما شنت “إسرائيل” هجومًا مدعومًا أمريكيًا على مواقع إيرانية استمر 12 يومًا، وشمل ضربات استهدفت منشآت عسكرية ونووية ومرافق مدنية، إضافة إلى عمليات اغتيال طالت علماء وقادة في الحرس الثوري الإيراني. ردّت طهران على الهجوم باستهداف مواقع عسكرية واستخباراتية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.
وفي 22 يونيو، شنت الولايات المتحدة غارات مباشرة على منشآت نووية داخل إيران، ما دفع الأخيرة إلى الرد عبر قصف قاعدة “العديد” الأمريكية في قطر، لتتجه الأطراف بعد ذلك، وتحديدًا في 24 يونيو، إلى إعلان وقف لإطلاق النار، في خطوة لم تخفف من غموض المشهد.
ورغم التصريحات المتضاربة، ما يزال الغموض يلفّ حجم الأضرار الفعلية التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني، حيث اكتفت طهران بالقول إن “المنشآت تضررت بشدة”، لكنها في الوقت ذاته قللت من فعالية العدوان الإسرائيلي الأمريكي، مؤكدة أنه لم يحقق أهدافه. من جانبها، تصر كل من واشنطن وتل أبيب على أن البرنامج تعرض لضربة قاصمة ستؤخره لسنوات.
هذا التضارب في الروايات، إلى جانب التسريب غير المسبوق لتقييم استخباراتي بهذا المستوى من الحساسية، يعكس انقسامًا داخليًا متزايدًا في المؤسسة الأمنية الأمريكية، ويفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة بشأن مدى تماسك الخطاب الرسمي، وتوظيف أدوات الأمن القومي في الصراع السياسي والإعلامي الداخلي.
وفي ظل دخول الملف الإيراني مجددًا إلى قلب السجال الأمريكي، تبدو المؤسسة العسكرية والأمنية في موقع لا تُحسد عليه، وسط ضغوط من الداخل والخارج لإثبات صدقية خطابها وإثبات نتائج عملياتها، في وقت تتراجع فيه ثقة الرأي العام العالمي بالإدارات الغربية بعد فشلها في حسم ملفات نووية مشابهة، ككوريا الشمالية.