اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

الجنوب في قلب العاصفة الاقتصادية: انهيار العملة.. احتكار النخب اليمنية.. معاناة الشعب – هل يتخذ المجلس الانتقالي الخطوة الحاسمة؟

النقابي الجنوبي/وضاح قحطان الحريري

تمر اليمن بصفة عامة والجنوب بشكل خاص، بأزمة اقتصادية خانقة تزداد تعقيدا يوما بعد يوم. ويعد انهيار الريال اليمني، وارتفاع الأسعار، وتراجع المرتبات من أبرز المؤشرات على عمق الأزمة التي تواجه المواطن العادي. في ظل غياب سياسات نقدية فعالة وركود سياسي مستمر، أصبحت الظروف المعيشية للمواطن الجنوبي أكثر شقاء من أي وقت مضى. وبينما يشهد الجنوب تصاعد معاناة الشعب، يبقى المجلس الانتقالي أمام اختبار حقيقي لمدى قدرته على تحويل مسار الاقتصاد الجنوبي نحو الأمل والاستقرار.

تحليل الأزمة: من يتحكم بالاقتصاد؟

انهيار العملة وتأثيرها على المواطن

تآكل قيمة الريال: فقدان قيمة الريال أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع والخدمات الأساسية، مما جعل حياة المواطن أكثر شقاء وصعوبة.
سياقات التضخم: غياب السياسات النقدية الفعالة وإفراط الجهات في طباعة العملة دون مراعاة الواقع الاقتصادي ساهم بشكل مباشر في تضخيم الأسعار.
سوق صرف غير منضبط: الاستغلال اللامحدود لسوق الصرف من قبل المضاربين وتجار العملة زاد من حدة الأزمة وأدى إلى تذبذب مستمر في سعر الصرف، مما جعل من الصعب على المواطن التخطيط للمستقبل المالي.

سيطرة النخب واحتكار التجار

الاحتكار في الاستيراد: يتولى التجار اليمنيين السيطرة على حركة الاستيراد، مما يخلق احتكارا يمنع المنافسة العادلة ويزيد الأسعار.

أسماء تجار يمنيون بارزون

مجموعة هائل سعيد أنعم: التي تعتبر من أكبر إمبراطوريات التجارة في اليمن وتتحكم في واردات المواد الغذائية والسلع الأساسية.
إخوان ثابت وشاهر عبد الحق: اللذان لهما تأثير كبير في قطاعات متعددة من التجارة والصناعة.
فاهم وأولاده ومجموعة الرويشان: اللذان يرسخان هيمنة التجار الشماليين على السوق.
تهميش المستثمر الجنوبي: القيود المفروضة على المستثمرين الجنوبيين تمنعهم من دخول السوق بحرية، مما يعزز الاحتكار ويحول دون تحقيق منافسة حقيقية تسهم في تحسين الأسعار وتوفير فرص عمل.

تراجع دخل المواطن وانخفاض المرتبات

ضعف القوة الشرائية: مع ارتفاع معدلات التضخم، تتضاءل قيمة المرتبات، فيصبح المواطن غير قادر على تغطية احتياجات أسرته الأساسية.
تأخير صرف المرتبات: التأخيرات المستمرة في دفع الرواتب تزيد من معاناة العاملين، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الجنوبية.
غياب خطط التعويض: عدم وجود برامج حكومية أو دعم مالي لمواجهة انخفاض القوة الشرائية يجعل من الصعب على المواطنين التكيف مع الواقع الجديد.

أزمة النزوح والضغط على الجنوب

زيادة أعداد النازحين:
النزوح الداخلي نتيجة الصراعات والحروب أدى إلى اكتظاظ بعض المدن والقرى في الجنوب، مما ضاعف الضغط على الخدمات العامة كالمياه والكهرباء والصحة.
ارتفاع تكاليف المعيشة: ازدياد الطلب على السكن أدى إلى ارتفاع إيجارات المساكن بشكل غير منطقي، ما يضع عبئا إضافيا على المواطنين.
أهمية خطة شاملة: ضرورة وضع استراتيجية وطنية لإدارة النزوح تضمن توزيع الموارد بشكل عادل، مع مراعاة خصوصيات المناطق المتأثرة.

النفط وتحكم القوى الاقتصادية والسياسية

الجنوب غني بالموارد الطبيعية، وعلى رأسها النفط. إلا أن هذا المورد الثمين لا يعود بالفائدة على سكان الجنوب بشكل مباشر، حيث لا تزال السيطرة على هذه الثروات بيد قوى سياسية واقتصادية يمنية تتحكم في إنتاجه وتصديره.

التحكم في النفط

يتعرض قطاع النفط في الجنوب للهيمنة من قبل قوى سياسية يمنية وعالمية تسيطر على عملية استخراج النفط وبيعه. تنتقل إيرادات النفط إلى مناطق أخرى دون أن تساهم بشكل كافٍ في تمويل مشاريع التنمية في الجنوب.

من يتحكم في النفط؟:

بينما يمتلك الجنوب احتياطات ضخمة من النفط، إلا أن اليمنيون وأطراف خارجية من الشركات العالمية تسيطر على صادراته. ويتقاسم الحوثيين مع الحكومة المعترف بها في الرياض النفوذ في بعض مناطق استخراج النفط في اليمن والجنوب، ما يعزز الاحتكار ويقلل من الاستفادة المحلية من هذه الثروة.

تأثير النفط على الاقتصاد الجنوبي

رغم أن الجنوب يمتلك معظم احتياطات النفط، إلا أن التحكم في هذه الثروات لا يتناسب مع حجم المعاناة الاقتصادية التي يواجهها الجنوبيون.. وتسهم سيطرة القوى اليمنية عليها في زيادة الفقر وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في مناطق الجنوب المحتل.

الحلول المقترحة للمشكلة:

تحقيق السيطرة الجنوبية على موارد النفط: يجب أن يتخذ المجلس الانتقالي خطوات فعالة لاستعادة السيطرة على قطاع النفط، وإعادة توزيع العائدات بما يخدم مصالح الجنوب ويدعم اقتصاده.
إلغاء احتكار النفط: يجب أن تشجع الاستثمارات في القطاع النفطي وتوزيع العوائد بطرق شفافة لدعم المشاريع التنموية في الجنوب.

إقامة مشاريع للطاقة البديلة: استثمار عائدات النفط في مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية لضمان استدامة النمو الاقتصادي للجنوب.

آراء الخبراء

يرى المحامي فضل علي الحريري وكيل وزارة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان:
“إن الحل الوحيد لوقف تدهور العملة ووقف زيادة صرفها يكمن في إيقاف صرف المرتبات بالعملة الصعبة (الدولار) للمسؤولين الحكوميين، بما فيهم من يسمون أنفسهم بالقيادة الشرعية. يجب على هؤلاء أن يشعروا بمعاناة الشعب وأن يتوقفوا عن الاستفادة من صرف مرتباتهم بالعملة الصعبة، وهو ما يفاقم أزمة العملة المحلية.
إن استمرار صرف المرتبات بالدولار للأشخاص الذين يتراوح راتبهم بين 3000 و9000 دولار، في وقت يعاني فيه المواطنون من تدهور العملة وارتفاع الأسعار، مما يجعل من المستحيل وقف انهيار العملة. لهذا، ندعو لوقف هذه المهزلة التي تخالف الدستور والقانون والأخلاق، وتساهم في معاناة المواطنين وحرمانهم من الخدمات الأساسية.
يجب أن تتوقف التصرفات غير القانونية التي تديرها الحكومة الفاسدة، والتي تفاقم الفجوة الاقتصادية في البلاد، ويجب أن تكون أول خطوة حقيقية للإصلاح هي وقف صرف المرتبات بالعملة الصعبة.”

محلل سياسي

“الأزمات الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها الجنوب اليوم، مثل انهيار العملة وارتفاع الأسعار، هي نتيجة مباشرة للفساد المستشري في المؤسسات الاقتصادية والسياسية في اليمن ..هناك سياسة واضحة ومخطط لها عدم تمكين المجلس الانتقالي من إدارة هذه الأزمات، وهذا ليس عبثا، بل هو جزء من خطة كبيرة تهدف إلى إضعاف الجنوب واستمرار سيطرة النخب الاقتصادية العميقة والأحزاب السياسية التي تساهم في تغذية هذه الأزمات بهدف تأخير استعادة الدولة الجنوبية.

المجلس الانتقالي أمام الاختبار: ما الذي يجب أن يفعله؟

يواجه المجلس الانتقالي تحديات جمة في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية القائمة، وإليك رؤوس أقلام موجهة له:

السيطرة على الموارد المالية

ضرورة وقف التلاعب بالإيرادات الجمركية والضرائب وتوجيهها بشكل فعّال لخدمة الجنوب.
تحسين أداء البنك المركزي وتطبيق سياسات نقدية صارمة للحد من المضاربة.

مكافحة الاحتكار ودعم المستثمر الجنوبي:

تشجيع رجال الأعمال الجنوبيين عبر منح تراخيص استيراد دون قيود تعسفية تسهم في خلق منافسة عادلة.
فرض ضرائب على الشركات الاحتكارية الشمالية للحد من تأثيرها على الأسعار والتجارة.

اصلاح الوضع المعيشي للمواطن

رفع المرتبات بما يتناسب مع معدلات التضخم الحالية.
دعم السلع الأساسية من خلال برامج استيراد مباشرة تقلل من اعتماد السوق على التجار المحتكرين.

إدارة أزمة النزوح بحكمة:

إنشاء لجنة وطنية لمتابعة توزيع النازحين وتخفيف الضغط على المدن الجنوبية وإيجاد معسكرات خاصة أو معالجة سياسات متعمدة لقضية جلب النازحين بشكل مبالغ فيه إلى المحافظات الجنوبية.
مطالبة المنظمات الدولية بتقديم دعم أكبر لاستيعاب الأزمة الإنسانية في الجنوب.

تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي:

توحيد القرار الاقتصادي تحت قيادة جنوبية قادرة على تحديد أولويات واضحة للتنمية.
استغلال العلاقات الإقليمية والدولية لجذب الاستثمارات الجديدة ودعم مشاريع البنية التحتية.
لا يمكن إنكار أن الأزمات الاقتصادية الحالية تشكل اختبارا حقيقيا للمجلس الانتقالي الجنوبي إذ ان المواطن الجنوبي يعيش ظروفا صعبة لم تعد تتحملها الأسرة، وتزداد الحاجة إلى حلول جذرية وسريعة. أمام المجلس خياران حاسمان: إما أن يتخذ خطوات فعالة لتحويل الاقتصاد الجنوبي إلى نموذج للتنمية المستدامة، أو أن يستمر الوضع على ما هو عليه ليظل الجنوب أسير سياسات الاحتكار والتلاعب الحاصل.

زر الذهاب إلى الأعلى