حضرموت أولاً.. فعالية تصنع التاريخ وتؤسس للمستقبل

النقابي الجنوبي/ رصد وتحرير: هشام صويلح
مع حلول الذكرى التاسعة لتحرير ساحل حضرموت من قبضة الإرهاب، تحولت مدينة المكلا إلى ساحة تاريخية ناطقة باسم الجنوب وأحلامه القادمة. الفعالية الكبرى التي نظمت تحت عنوان “حضرموت أولاً” لم تكن مجرد احتفاء بماضٍ مشرف، بل شكلت لحظة استثنائية لإعادة التأكيد على وحدة المشروع الجنوبي وإرادة أهله.
وسط هذا المشهد، برزت تحليلات الكاتب السياسي صالح شائف لتضع أبعاد الحدث في سياقه الوطني الأوسع، متناولة الدلالات العميقة للدعوة والحضور والتنظيم، والفرص السياسية التي تفتحها هذه الفعالية أمام قوى الجنوب في معركة استعادة الهوية والسيادة.
دعوة الانتقالي: تجسيد للثقة بوعي أبناء حضرموت
يرى صالح شائف أن الدعوة التي وجهتها القيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي لإقامة فعالية المكلا، لم تكن خطوة عبثية أو ارتجالية، بل حملت مضموناً سياسياً ووطنياً واضحاً يعكس ثقة عميقة بوعي أبناء حضرموت.
وأشار إلى أن هذه الدعوة وجدت استجابة واسعة من كل مدن ومناطق المحافظة، من الساحل إلى الوادي إلى الصحراء، مما أكد صحة رهان القيادة المحلية على حيوية الوعي الوطني في حضرموت، وعلى تماسك نسيجها الاجتماعي رغم كل محاولات التمزيق والتشويه.
الحضور الجماهيري: رسالة تأكيد للشرعية الجنوبية
لم يكن مشهد الحشود التي غص بها ميدان المكلا مجرد تظاهرة جماهيرية عابرة، بل شكل – كما يرى صالح شائف – تعبيرًا صارخًا عن الشرعية الشعبية التي يتمتع بها المجلس الانتقالي الجنوبي داخل حضرموت.
وأكد شائف أن هذا الحضور الجماهيري الاستثنائي عكس مكانة الانتقالي كحامل سياسي لمشروع دولة الجنوب القادمة، بما يحظى به من قبول واسع بين مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية في المحافظة.
الحشد لم يأتِ من فراغ، بل جاء ترجمة لاقتناع الناس بمشروع الانتقالي ورؤيته الخاصة نحو إقامة دولة جنوبية فيدرالية، وهو ما يمنح المجلس تفويضاً عملياً لتعزيز نشاطه السياسي والاجتماعي، ويدفعه لمواصلة الجهود اللازمة لصياغة آلية وطنية جامعة، كما دعا شائف، تضمن استدامة هذا الالتفاف الجماهيري وترجمته إلى قوة تفاوضية مؤثرة على الساحة الجنوبية والإقليمية.
البناء السياسي على الفعالية: فرصة لتوسيع قاعدة الشراكة
اعتبر صالح شائف أن النجاح اللافت لفعالية “حضرموت أولاً” لم يكن نهاية بحد ذاته، بل بداية لمسار سياسي أوسع يمكن البناء عليه بحكمة واقتدار.
وأشار إلى أن الانتقالي الجنوبي بات يمتلك، عبر هذا النجاح، فرصة نادرة للتحرك السياسي الفاعل مع بقية القوى والشخصيات الوطنية في حضرموت، مستنداً إلى التفويض الشعبي الذي أظهرته الفعالية.
ووفقاً لرؤية شائف، فإن بلورة سياسات الانتقالي بما يضمن شراكة حقيقية مع المكونات الأخرى، وعلى قاعدة الحرص الوطني والمسؤولية، سيكون حجر الأساس لترسيخ مكانة حضرموت في معادلة الجنوب القادمة، بل وفي صياغة مستقبل الجنوب بأسره، بما يضمن قبولاً واسعاً وتوافقاً راسخاً.
خطاب الحكمة والشراكة: مدخل لوحدة الصف الجنوبي
من بين الرسائل البارزة التي أرسلتها فعالية المكلا، يبرز – بحسب صالح شائف – خطاب الحكمة والتسامح الذي تبنته قيادة الانتقالي، سواء عبر البيان الصادر عن الفعالية أو الكلمات التي ألقيت خلالها.
وقد شدد شائف على أن ترجمة هذه الرسائل إلى ممارسات عملية عبر الحوار والتوافق، تمثل الطريق الوحيد لوحدة الصف الوطني الجنوبي، بعيداً عن العنف والانقسامات.
إن بناء شراكة وطنية متينة وعادلة، كما دعا شائف، يجب أن يتحول من شعار إلى نهج دائم، إذا ما أُريد لحضرموت وللجنوب أن يعبرا المرحلة القادمة بأقل الخسائر وأكبر المكاسب.
حضرموت المؤهلة لحمل اسم الجنوب
في نظرة ذات بعد استراتيجي، يرى صالح شائف أن حضرموت، بما تحمله من إرث تاريخي وثقافي، وبما تتميز به من حكمة ووسطية، مؤهلة لأن تكون النموذج الجامع لدولة الجنوب القادمة.
وأكد شائف أن هذه الرؤية ليست وليدة اللحظة، بل كان قد عبر عنها مراراً خلال السنوات الماضية، معتبرًا أن حضرموت، بثقلها الرمزي والسياسي، قادرة على أن تمنح مشروع الدولة الجنوبية هوية أكثر رسوخاً واتزاناً.
هذه المكانة الاستثنائية لحضرموت تجعل تعزيز دورها في المرحلة المقبلة ليس خياراً، بل ضرورة استراتيجية لضمان استقرار الجنوب وتحقيق تطلعات شعبه.
الخاتمة:
لم تكن “حضرموت أولاً” مجرد شعار مرفوع في فعالية جماهيرية، بل كانت – كما أشار صالح شائف – إعلاناً عملياً عن انتقال حضرموت إلى مرحلة جديدة من النضج السياسي والانخراط الواعي في مشروع الدولة الجنوبية الفيدرالية.
وبينما يواصل الجنوبيون كتابة تاريخهم بأيديهم، تبدو الرسائل الصادرة من المكلا واضحة لكل من يحسن القراءة: أن وحدة الصف الجنوبي باتت اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وأن الحوار والشراكة الوطنية لم يعودا خيارين هامشيين، بل صارا شرطين لا غنى عنهما لصناعة المستقبل المنشود.
إن تجاهل هذه اللحظة التاريخية، أو التقليل من شأنها، لن يؤدي إلا إلى إضاعة فرصة نادرة لإعادة بناء الجنوب على أسس جديدة، أكثر عدلاً وشمولاً وحكمة.