اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
اخبار وتقارير

خطة سلام لأوكرانيا… أم انقسام غربي حول مستقبلها؟

 

النقابي الجنوبي/تقرير/هشام صويلح

بين التفاؤل الأمريكي والتحفّظ الأوروبي، تتفاوض كييف على تسوية قد تعيد رسم شبكة الأمن في القارة، وسط خلافات لا تخفيها العواصم الغربية رغم وحدة الخطاب العلني.

في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه واشنطن وكييف عن “تقدم ممتاز” في صياغة إطار سلام منقح، أرسلت العواصم الأوروبية مذكرة تحفظ رسمية على البنود نفسها. هذا التزامن يعكس انقسامًا دبلوماسيًا عميقًا حول مفهوم “السلام العادل” في أوكرانيا: هل يُبنى على تفاهم ثنائي بين حليفين أم على مسار جماعي يحمي أمن القارة؟

الخلاف لا يكمن في الهدف المعلن — إنهاء الحرب — بل في الوسائل والضمانات. فقد أعلن البيت الأبيض، الاثنين 24 نوفمبر 2025، أن الطرفين توصلا إلى صيغة “تستوعب معظم الأولويات الأوكرانية”، واصفًا المحادثات في جنيف بـ”البنّاءة”. وأكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن “الخلافات المتبقية ليست مستعصية”، وأن المفاوضات دخلت “مرحلة شديدة الإنتاجية”.

أما العواصم الأوروبية، فقد عبّرت عن قلقها بوضوح. فرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أكدت أن “أوكرانيا يجب أن يكون لها الحق الكامل في اختيار مصيرها”، بينما حذّرت 11 دولة من أن الخطة الحالية قد “تترك أوكرانيا معرّضة لهجمات مستقبلية”، مشيرة إلى قلة الضمانات الأمنية.

التفاؤل الأمريكي امتدّ خارج القنوات الرسمية. فقد كتب الرئيس ترامب على “تروث سوشيال” أن “القيادة الأوكرانية تظهر صفر امتنان”، محمّلًا الأوروبيين مسؤولية “التقاعس”. ورد الرئيس زيلينسكي عبر منصة إكس مؤكدًا “امتنان أوكرانيا لواشنطن ولدعم ترامب شخصيًا”. هذا التبادل يكشف توترًا خفيًا داخل العلاقة الأمريكية–الأوكرانية، رغم الخطاب الموحد في البيانات الرسمية.

أما طبيعة الخطة، فتختلف فيها الرؤى. فالنسخة المعدلة “تعكس معظم أولويات كييف”، لكن تفاصيل البنود لم تُنشر بعد. وتشير تقارير إلى أن المشروع الأولي شمل مطالب روسية صعبة، مثل التنازل عن أراضٍ والتعهّد بعدم الانضمام إلى الناتو. إذا رأى الجانب الأمريكي في المرونة تكتيكًا تفاوضيًا، فقد اعتبر الأوروبيون، خصوصًا دول بحر البلطيق بقيادة بولندا، أنها تهدد مفهوم الردع الجماعي.

على المستوى الدبلوماسي الموازٍ، دعا قادة فرنسيون وألمان إلى اجتماع افتراضي لمجموعة “تحالف الراغبين” لدعم كييف، في حين عُقد لقاء ثلاثي بين أوكرانيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لإظهار أن أي تسوية يجب أن تشمل الأوروبيين.

الأوروبيون يصرّون على أن يكون لهم “دور رئيسي” في أي خطة سلام مستقبلية. وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس أن الخطة يجب أن تكون “قابلة للتطبيق”، في إشارة إلى ضرورة وجود ضمانات ملموسة لا مجرد وعود.

حتى الجدول الزمني يعكس اختلاف الأولويات. فمنح ترامب زيلينسكي مهلة حتى 27 نوفمبر للرد، بينما اعتقد الأوروبيون أن “الوصول إلى اتفاق قبل هذا التاريخ قد يكون غير مضمون”، ما يعكس رفضهم للضغط الأمريكي لإنهاء الملف بسرعة.

وفي ختام اليوم نفسه، اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي على هامش قمة مع قادة أفارقة في أنغولا، ما يظهر أن الباب لم يُغلق أمام التدخل الأوروبي، بل فُتحت جبهة جديدة من التنسيق المضاد.

هكذا، لم يعد “السلام” مسألة عسكرية فحسب، بل اختبارًا للتماسك الغربي. فبينما تعتبر واشنطن الخطة وسيلة لإنهاء حرب مكلفة، يراها الأوروبيون مسألة وجودية تتعلق بمستقبل النظام الأمني في القارة. السؤال الآن ليس فقط هل ستُوقّع الخطة، بل من سيضمن تنفيذها؟ وهل يكفي توقيع ترامب وزيلينسكي لصنع سلام دائم في عالم تجاوز الثنائية البسيطة؟

زر الذهاب إلى الأعلى