اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
اخبار وتقارير

انهيار الريال اليمني يتسارع أمام الدولار وسط تحذيرات اقتصادية ومعالجات مقترحة

 

النقابي الجنوبي/تقرير/هشام صويلح

في تطور خطير يعكس هشاشة الوضع النقدي، تخطّى سعر صرف الدولار الأمريكي حاجز 2700 ريال يمني خلال يونيو 2025، في قفزة مفاجئة أعادت إلى الواجهة أسئلة جوهرية عن مستقبل الريال ومصير الاقتصاد الوطني، وسط تحذيرات من موجة تضخمية جديدة تضرب القوت اليومي للمواطن وتزيد من هشاشة الوضع المعيشي.

الخبير الاقتصادي الدكتور علي ناصر الزامكي، أستاذ الإدارة المالية بجامعة عدن، يحلل أسباب هذا الارتفاع القياسي، متتبعًا مسارات الانهيار من جذورها الاقتصادية إلى تجلياتها السياسية والمصرفية، وصولًا إلى مقترحات عملية لوقف التدهور واستعادة الاستقرار النقدي.

الأزمة من جذورها.. موارد مفقودة وخطة إنفاق غائبة

يبدأ الزامكي تحليله من الأساس المالي، حيث يؤكد أن تآكل الاحتياطي من النقد الأجنبي بسبب تراجع صادرات النفط وانخفاض تحويلات المغتربين أفقد السوق أحد أهم مصادر العملة الصعبة، ما جعل الريال أكثر هشاشة أمام أي طلب متزايد على الدولار.

ويضيف أن غياب خطة شهرية منضبطة للإنفاق العام عزز من عجز الموازنة، إذ استمر الإنفاق الحكومي في التصاعد دون موارد مستدامة، في وقت تعتمد فيه البلاد بنسبة كبيرة على الاستيراد لتغطية الاحتياجات الأساسية، ما يولّد طلبًا دائمًا على الدولار.

الانقسام النقدي وغياب الثقة.. فتيل الانفجار الصامت

يشير الزامكي إلى أن وجود بنكين مركزيين في عدن وصنعاء بسياسات متضاربة، وطبعتين مختلفتين للعملة، أدى إلى خلق تشوّه نقدي فريد من نوعه، أربك السوق وتسبب في تقويض فعالية أدوات السياسة النقدية.

ويرى أن ضعف الشفافية والتواصل من البنك المركزي في عدن ساهم في زيادة القلق لدى السوق، إذ لم تصدر بيانات توضيحية أو إجراءات تطمينية، مما جعل التجار والمواطنين يبحثون عن بدائل أكثر أمانًا، وفي مقدمتها الدولار والريال السعودي.

العوامل الخفيّة: سوق يُدار من الظلال

لا يقتصر التدهور على الأسباب العلنية فحسب، إذ يكشف د. الزامكي عن وجود مضاربات غير قانونية تُدار عبر شبكات صرافة تعمل خارج الرقابة الرسمية، مما يساهم في رفع سعر الصرف بشكل متعمد لتحقيق مكاسب.

إلى جانب ذلك، يحذر من أن تسييس سعر الصرف من قبل بعض القوى، واستخدامه كورقة ضغط سياسي أو أداة ابتزاز، يُفقد السوق استقراره. كما أن ضخ السيولة النقدية دون غطاء، وتوسيع الكتلة النقدية في غياب معادلات اقتصادية حقيقية، يجعل الريال أشبه بورقة بلا قيمة فعلية.

هلع السوق وتوقعات قاتمة

يُرجع الزامكي جزءًا من الأزمة إلى العامل النفسي، إذ تعيش السوق حالة من الذعر العام، دفعت المواطنين لتحويل مدخراتهم إلى الدولار، في ظل غياب أي مؤشرات إيجابية على المدى القصير.

ويؤكد أن هذا السلوك انعكس مباشرة على سعر الصرف، فالطلب المتزايد على الدولار لم يعد بدافع التجارة فحسب، بل بدافع النجاة الفردية من الانهيار المرتقب.

خريطة إنقاذ: توصيات عاجلة ومتوسطة المدى

يقترح الزامكي إجراءات قصيرة المدى (3 – 6 أشهر) تتمثل في:

تفعيل رقابة صارمة على سوق الصرف ومنع المضاربات عبر إدارة موحدة من البنك المركزي.

إصدار بيانات دورية شفافة من البنك المركزي لاستعادة الثقة.

استخدام أدوات التدخل النقدي لضبط الكتلة النقدية.

التنسيق مع المانحين لاستقطاب دعم نقدي عاجل يعزز الاحتياطي الأجنبي.

أما على المدى المتوسط (6 – 18 شهرًا)، فيدعو إلى:

توحيد السلطة النقدية في البلاد تحت إدارة البنك المركزي في عدن.

تعزيز الصادرات عبر تنشيط الموانئ والمصافي والإنتاج المحلي.

تحديث النظام الضريبي والجمركي ورفده بالتحول الرقمي.

تهيئة بيئة آمنة للاستثمار واستعادة ثقة الداخل والخارج.

بين الانقسام النقدي والعجز السياسي: هل تُنقذ القرارات الشجاعة الريال؟

في ظل هذا التدهور المتسارع في قيمة العملة المحلية، لم يعد استقرار سعر الصرف مجرد هدف نقدي، بل غدا حجر الزاوية في معركة إنقاذ الاقتصاد. فكل تأخير في اتخاذ خطوات حازمة، وكل تردد في المعالجة المؤسسية، يضاعف من كلفة الأزمة ويُعمّق معاناة المواطنين.

يختتم الدكتور علي ناصر الزامكي تحليله بالتأكيد على أن استقرار سعر الصرف لا يمكن أن يُختزل في أداء البنك المركزي وحده، بل هو نتيجة تفاعل سياسي ومؤسسي متكامل، تتشارك فيه الحكومة والقيادة السياسية والجهات الرقابية والمجتمع الاقتصادي.

> “لا حل دون قرار سياسي شجاع، يعيد مركزية السلطة النقدية، ويضع حدًا للتلاعب، ويفرض الشفافية والمساءلة” – د. علي ناصر الزامكي.

إن التحليلات السابقة تُظهر بوضوح أن الأزمة ليست مجرد خلل تقني أو مضاربة ظرفية، بل هي نتاج لتراكمات سياسية واقتصادية وإدارية، تتطلب رؤية وطنية شاملة تتجاوز الأدوات النقدية التقليدية، إلى قرارات سيادية تُعيد بناء الثقة وتفعّل مؤسسات الدولة بشفافية وكفاءة.

وإذا لم تُبادر السلطات إلى تنفيذ إصلاحات جذرية تُعيد توحيد السلطة النقدية وضبط السوق واستعادة التوازن المالي، فإن الدولار لن يبتلع الريال فحسب، بل سيبتلع معه ما تبقى من قدرة المواطنين على الصمود في وجه العجز والفقر والتضخم.

زر الذهاب إلى الأعلى