اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

الجزء الثالث – لحظة الورقة 

 

كتبت/ بسمة نصر

 

وقفت أمام السرير، الورقة بين يدي ترتجف كما ترتجف أنفاسي. قلبي لم يعد في صدري، بل ارتسم على الحروف السوداء، يئن معها قبل أن أفهم ما كتب.

 

نظرت إلى أمي، مفتحة العينين، وابتسامة باهتة ترتعش على شفتيها. حاولت أن تطمئن نفسها، لكن كل ارتجافة صغيرة كانت تكشف خوفها المكبوت. كانت تنتظر مني كلمة واحدة، أي كلمة، تمنحها شعورا أن العالم لا يزال في مكانه، ولو للحظة.

أختي بجانبي، تمضغ لقمتها بتردد، عينيها تتنقلان بين الورقة وأمي، تبحث عن نقطة ثبات وسط الزلزال. كل حركة صغيرة لها كانت صرخة صامتة للقلق، وكل نظرة لي كانت تقول: “قولي، أي شيء، لكي نتمسك به”.

شعرت بالذنب: لماذا لا أستطيع أن أطمئنها؟

الممرضة ركبت الدريب لأمي، لكنها لم تستطع إخفاء ارتعاش أصابعها. كل لمسة كانت تحمل خوفا خفيا، كل نظرة نحو أمي كانت محاولة لتجاهل القلق.

فتحت الورقة أخيرا. الحروف السوداء قفزت أمامي وكأنها تختبر صبري، تحكم على شعوري قبل أن أقرأ. ركزت، وإذا بالكلمات تغرز نفسها في قلبي كسكاكين حادة. لم أصرخ، ولم اسمح لدموعي بالخروج، فقط وقفت عاجزة أمام الورقة وهمست بلا وعي:

“يا الله… رحمتك… ما فهمت شيء… أين الدكتور؟”

 

ارتجفت أختي بجانبي، تتنفس بسرعة: “قولي! إيش فيها”؟.

خرج صوتي مبحوحًا، ممزوجًا بالارتباك والخوف: “لا أعلم… لازم الدكتور يشرح”.

 

ركضت إلى الممر، خطواتي ثقيلة تتسارع، ورأسي يدور. الجدران تتقارب، وكأنها ستسحقني. وصلت للطبيب، ناولته الورقة بيد ترتجف بعنف. قرأها بصمت، ثم رفع رأسه، عينيه ثابتتان ومليئتان بالتركيز: “لا بد أن نعمل لها رنين للصدر. التخطيط لم يظهر شيء، لكن ربما هناك أمر آخر يحتاج الفحص، وربما لا يوجد شيء”.

شعرت وكأن الأرض انهارت تحت قدمي. كل شيء أصبح أكثر عمقا من مجرد خوف أو صدمة. كل خطوة من المختبر إلى هنا، ومن غرفة الرنين إلى الدكتور، كانت امتحانا للصبر، وكل ورقة كانت اختبارا للشجاعة. لم يعد الأمر مجرد فحص روتيني، أصبح اختبارا لنا جميعا، للحقيقة، ولقدرتنا على مواجهتها معا.

 

تعلمت ان “الورقة الصامتة تحمل أعمق ما نخاف معرفته، وتكشف لنا أن مواجهة الحقيقة تحتاج صبرا، شجاعة، وتواصلا صادقا بيننا”.

زر الذهاب إلى الأعلى