د. عبداللآه يسرد “تنويعات في أساطير الآخرين”
د أحمد عبداللآه
تم اجترار تاريخ الشرق الأدنى القديم من خلال “أسفار حديثة” تُستغل فيها الفكرة الدينية القديمة لإعادة رسم الخرائط. وهناك حالات من التشابك في الكيمياء السياسية عبر الزمن انعكست في وعود وعهود الدول الكبرى، مع فارق الأهداف. منذ كورش (قورش) الفارسي الى آرثر بلفور الإنجليزي وحتى إمبراطور البيت الأبيض الذي أكد: “لو لم تكن هناك إسرائيل لاخترعناها”.
جاء احتلال فلسطين بعد ٢٥٠٠ عام تقريباً من كتابات عزرا الكاهن الذي أعاد إنتاج الأسفار مستلهماً بعض من التراث البابلي. وأظهر التناقض في الروايات العلاقة بين المعتقد والأسطورة في منطقة الشرق الأدنى. ليس أولها وصايا شروباك أو حتى (القفّة) السابحة على المياه النهرية نحو عتبات القصر. وهذه الأخيرة تشارك في حكايتها سرجون الأكدي (في النصوص السومرية) و كليم الله (في النصوص التوراتية).
عزرا الكاتب هو ذاته الذي علّم الشعب العائد إلى أورشليم (حينها من أمهات المدن القديمة) طقوس دين “يهوه” وشريعته. لكن السؤال يظل: ما نوع الطقوس قبل السبي البابلي إذن؟!
الجواب؛ لا شيء يمكن تأكيده.
أما الآن فقد اضاف لها الزمن عمقاً جديداً في تجمع الحاخامات وأحزابهم.
هل يصدّق اليهود أسفارهم حرفياً أم يعتبرونها أو جزءاً منها نوعاً من القصّ الشعبي؟
نعم هناك مَن يصدق، رغم أن (التناخ) بمحتوياته وتعبيراته لا يكفي أن يجعل الدين ايديولوجيا طاغية. لكن المثير أن كثيراً من الإسرائيليين يفضّلون تصديق علماء الأركيولوجيا اليهود خاصة وأنه بعد سنين طويلة من المسح الميداني الشامل قال عالم الآثار الشهير إسرائيل فينكلشتاين: “سامحنا أيها الملك سليمان لأننا لم نجد أثراً لك في أرض الميعاد”.
وكذا الحال ينطبق على سيناء ومصر الفرعونية. لا أثر جلي و مادي للرواية التوراتية.
وضع اليهود كل ذلك التراث الملتبس في سياق إيديولوجي صهيوني لإقامة دولة لهم. لكن هاجس الخوف لم يبارحهم ابداً.
لهذا يؤمن كثير من الإسرائيليين بإمكانية زوال دولتهم لأسباب لا تنحصر في الاستناد إلى وقائع تاريخيّة سابقة. والبعض يعتقد أن نتنياهو و التوليفة الحاكمة قد تتسبب في وقوع “لعنة العقد الثامن” من خلال الانقسام الداخلي. وقد أظهر الكثير من رموز النخبة العلمانية والدينية مخاوفهم من فرضية نهاية الحلم الصهيوني كأي استعمار على وجه الأرض. والخوف بصورة عامة صفة سلوكية أنثروبولوجية عند اليهود منذ ما قبل “السبي البابلي” وحتى اليوم.
يبدو أن استراتيجية المقاومة الفلسطينية تقوم على استغلال عقدة الشعب المستوطن على أرض ليس له فيها ميعاد وإنما هي أرض مَن تناسل على ظهرها منذ كنعان. وحاولت مؤخراً أن تصوغ فصلاً أولياً من “سفر خروجه”، خاصة وقد قارب فترة الملك “داؤود” و”الحشمونائيم”. فهل كانت تلك خطوة الضرورة أم خطوة غير محسوبة؟ ننتظر لنرى إذا انعكس أو امتد أثرها.
قذف العرب مبادرة سلامهم في وجه العالم خلال قمة بيروت عام ٢٠٠٢م ، لكنها تجمدت في ارشيف التاريخ السياسي لأن أحداً لم يلتفت إليها. والآن وبانتظار مصير غزة يحاول بعض السياسيين العرب ورواد الإعلام رسْم المشهد وكأن هناك حرب بين إيران وإسرائيل تدور رحاها فوق جزر البهاما! عداك عن رجال الدين الذين يقولون ما يؤمَرون به ويعكس خطابهم حقيقة أن الصراع الإسلامي الإسلامي يسبق أي حسابات أخرى بالنسبة “لأولياء أمورهم”.
في المحصلة لا تأثير عربي على الحرب الجارية منذ عام ولهذا لا يمكن توقع نتائجها وفقاً للمسطرة العربية لأنها ببساطة تحتاج إلى تحديث و(معايرة) حتى تستطيع مواكبة العصر.
أنتجت الصهيونية (العلمانية والدينية) دولة فاشية تحمل كوابيس التاريخ اليهودي وتفرّغها في شعب وأرض فلسطين. و قد نجح اليهود منذ زمن في تقديم تاريخ فلسطين وفقاً للرواية التوراتية، والنتيجة أرض مسلوبة ودم فلسطيني نازف.
إسرائيل اليوم تعمدت إحداث صدمة للشرق الأوسط من خلال غزة لكنها في الحقيقة صدمت العالم بسلوكها المتوحش المرعب وأحدثت صحوة تاريخية في الوعي العالمي. والأيام ستكشف عن طبيعة ارتداداتها التي قد تشكل لعنة تنتظرها دولة الإحتلال.
احمد عبد اللاه