اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

في ظل الصراع على مستقبل التجارة العالمية.. إلى أي مدى يمكن أن يصبح الممر الهندي بديلا غربيا لطريق الحرير الصيني؟

 

النقابي الجنوبي/خاص

تكتسب بلادنا أهمية جيوسياسية استراتيجية استناداً إلى أهمية موقعها المتميز المُطل على “طريق الحرير الصيني فالجنوب العربي يقع في الركن الغربي للجزيرة العربية وتشرف سواحله الممتدة من بحر العرب حتى البحر الأحمر على أحد أهم مسارات الملاحة الدولية ويشكل أحد أهم المحطات ضمن مشروع الصين “الحزام والطريق” أو كما يعرف “طريق الحرير الجديد”.

ما يؤكد تلك الأهمية عملية التداول التجاري العالمي الذي يعتمد في الأساس على مرور البضائع والسلع المصنعة في الصين أولاً والبلدان الأسيوية ثانياً ويتم نقلها إلى أوروبا عبر سواحل الجنوب حيث مضيق باب المندب بسواحله يتحلى بأهمية كبيرة كونه يمر منه 5 بالمئة من البترول العالمي فضلاً عن دوره الرئيسي في نقل نفط بلدان “الشرق الأوسط” إلى الأسواق العالمية عَبر البحر الأحمر، لذلك يُعد من أهم النقاط الاستراتيجية.

على الوجهة الأخرى ما يدور في البحر الأحمر من مخطط مرسوم تنفذه مليشيا الحوثي وفق أجندة أمريكية من خلال زعمها أجراء سلسلة هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ بإتجاه إسرائيل واستهداف السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر في خطوة استدعت من خلالها تحالف دولي إلى المنطقة ينسف مستقبل الاستثمار في المنطقة.

ويرى مراقبون أن تأثير مسار هذه الهجمات والهجمات المضادة خلال الأشهر الأربعة الماضية ينعكس على الدول المحاذية للبحر الأحمر وعلى مستقبل التجارة العالمية بحيث قد تتصاعد إلى حرب إقليمية أوسع.

ويذهب آخرون في فهم سيناريو الهجمات في البحر الأحمر أنه يأتي في سياق فصل دموي في الحرب الأهلية اليمنية وقد تكون هجمات الحوثيين الحالية جزءً من استراتيجية لتعزيز سلطتهم السياسية في اليمن خاصة في ظل المفاوضات الأخيرة مع المملكة العربية السعودية لإنهاء الحرب رسمياً.

ويتساءل كثيرٌ من الخبراء الدوليين والمحللين السياسيين هل يمكن أن تفضي عسكرة البحر الأحمر إلى حرب إقليمية؟ أم تتجه نحو حربٍ اقتصادية أبطالها الدول الغربية والعملاق الاقتصادي الصيني ومبادرته (الحزام والحرير) وعلى حليفته روسيا أيضاً؟

أعلنت واشنطن – لتنفيذ المخطط المرسوم عبر الأداة الحوثية لاستمرار البقاء في البحر الأحمر – عن تشكيل تحالفٍ دولي يضم عشـر دول لحماية أمن البحر الأحمر يهدف إلى مواجهة هجمات الحوثيين في المنطقة كهدف معلن من هذا التحالف إلا أن هناك أهداف غير معلنة حيث يرى خبراء أن أمريكا تدرك أهمية البحر الأحمر منذ حرب أكتوبر 1973 ومن ثم فإنها تستخدم هذه الهجمات ذريعةً من أجل عسكرة البحر الأحمر وجعله منطقة نفوذٍ لها وللسيطرة على باب المندب وإدخال أكبر قدرٍ من القوات الأمريكية إلى المنطقة لتسمح لها بالمناورة السياسية وحماية أمن إسـرائيل عن طريق خلق عدوٍّ وهمي والاستفادة منه كما حدث في أفغانستان والعراق ليصبح البحر الأحمر محل تنافسٍ دوليٍّ كبير نظراً لوجود 11 قاعدة عسكرية في منطقة القرن الأفريقي القريبة من مدخله تتبع العديد من الدول المتنافسة إقليمياً ودولياً الأمر الذي يؤدي إذا ما تفاقمت حدة المواجهات إلى اندلاع حربٍ دولية وفرض شـروطٍ جديدة على منطقة البحر الأحمر والملاحة الدولية فيه والتي تعده واشنطن ذا أولويةٍ استراتيجية.
ويرى خبراء استراتيجيون أن واشنطن حاولت تضخيم الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وركزت عليها إعلامياً وسعت لاستصدار قرارٍ من مجلس الأمن رقم (2722) كي يُعطي لها شـرعية عسكرة المنطقة والسيطرة على واحدٍ من أهم الممرات المائية في العالم ليعكس هذا رغبةً أمريكيةً بريطانية للتواجد في باب المندب ورغبتهما في إضعاف النفوذ الصيني وتهديد تواجده وعدم السماح بعبور تجارته عبر هذا المضيق وبالتالي عدم السماح لروسيا ومحاصـرة نفوذها السابق في هذه المنطقة. 
ووصف صحفيون مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين عام 2013 وتهدف إلى توسيع التجارة العالمية من خلال إنشاء شبكات من الطرق والموانئ والمرافق الأخرى عبر بلدان عديدة في آسيا وإفريقيا وأوروبا أنها “المشروع الأكثر طموحاً للرئيس الصيني” موضحين أن المشروع “يأخذ بعداً سياسياً”.
وأشاروا إلى “محاولات الصين لمد خط استراتيجي وشراكة استراتيجية تعرف بطريق الحرير الجديد من الشرق بإتجاه أوروبا مرورا بإيران وتركيا” مؤكدين أن “بقاء تأثير الولايات المتحدة على الشرق الأوسط يعتمد على عدم مد هذه الشراكة وهذا الخط”.
وإثر احتدام الصراع على النفوذ وتصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في العديد من المجالات تفجرت المواجهة السياسية أكثر بين الصين والهند خلال قمة قادة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند في سبتمبر العام الماضي مع الإعلان عن ممر جديد يربط منطقة المحيطين الهندي والهادئ بالشرق الأوسط وأوروبا ما يضع مستقبل فاعلية مبادرة الحزام والطريق الصينية (طريق الحرير) محل منافسة وربما تشكيك.
ووقعت الهند والولايات المتحدة والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا مذكرة تفاهم لإنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، المستهدف منه زيادة التجارة وتوفير موارد الطاقة وتحسين الاتصال الرقمي في خطوة أزعجت الصين.
وأكد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن الممر الجديد الذي أعلن عنه على هامش قمة مجموعة الـ20 في دلهي سيصبح أساس التجارة العالمية لمئات السنين القادمة.

إلى ذلك قال رافي أغاروال رئيس تحرير مجلة فورين بوليسي إن هذا المشروع الذي أطلق لتعزيز روابط النقل والاتصالات بين أوروبا وآسيا من خلال شبكات السكك الحديدية والشحن على الرغم من أنه مفيد للمنطقة فإنه ينبئ بالسياسة الخارجية الأمريكية “التي تشمل ببساطة أي شيء من شأنه تعزيز المصالح الأمريكية في مواجهة الصين”.

وينظر الكثيرون إلى مشروع الممر على أنه رد أمريكي لمبادرة الحزام والطريق الصينية الذي تعده مشروع عالمي لبناء بنية تحتية تربط الصين بجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى وروسيا وأوروبا.

ويقول مراقبون إن الطموحات الكبرى للمشروع تضاءلت بشكل كبير، إذ تباطئ الإقراض للمشاريع مع تباطؤ الاقتصاد في الصين. وتعرب دول مثل إيطاليا عن رغبتها في الانسحاب، وتشعر دول مثل سريلانكا وزامبيا أنها أصبحت عالقة في فخ الديون، وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالقروض.

في المقابل كتب الخبير الاقتصادي سواميناثان أيار، في عموده بصحيفة تايمز أوف إنديا: “بقدر ما يعمل الممر الهندي على تحسين علاقاتنا مع الإمارات والسعودية، فإنه سيضر بالعلاقات مع مصر”.

كما أن النقل عن طريق البحر عبر قناة السويس أرخص وأسرع وأقل تعقيدا إلى حد كبير.

طموحات الممر الهندي الأوروبي تتجاوز النطاق الضيق للتجارة والاقتصاد لتشمل كل شيء بدء من شبكات الكهرباء حتى الأمن السيبراني بناء على المحادثات التي جرت في المنتديات الأمنية، كما يشير نافديب بوري، سفير الهند السابق إلى الإمارات في مقال صحفي.

وسينطلق المشروع الذي يشبه طريق التوابل القديم من مومباي بالهند بحرا إلى ميناء دبي بالإمارات ومن ثم إلى منطقة الغويفات الإماراتية بالسكك الحديدية.

الممر الاقتصادي سيعزز العلاقات التجارية بين شركاء واشنطن في الشرق الأوسط مع نيودلهي بدلا من بكين

ويمتد المسار إلى السعودية ويصل إلى جنوب الأردن، ثم يصل إلى مدينة حيفا الساحلية في الأراضي المحتلة ومنها إلى ميناء بيرايوس اليوناني بحرا ومنه إلى أوروبا برا. ويختصر هذا المسار في حال تنفيذه طريق التجارة بين الهند وأوروبا بنسبة 40 في المئة.

ويهدف المشروع إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور البضائع. وكذلك تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب من أجل تعزيز أمن الطاقة ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.

ووصف الرئيس الأميركي جو بايدن الاتفاق بأنه “سوف يغير قواعد اللعبة”، في وقت تشدد فيه الولايات المتحدة من قواعد التجارة مع الصين وتفتح اتفاقات للتبادل التجاري في مناطق حول العالم مثل الاتفاق مع فيتنام وهي مناطق تخشى الإدارة الأميركية من أن تقع أسواقها تحت نفوذ الصين.

وبالتوازي مع مبادرة الحزام والطريق الصينية هناك ممر آخر تقوده الهند في المنطقة وهو ممر النقل الدولي شمال جنوب

وتم إنشاء ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب بموجب الاتفاقية الموقعة بين روسيا وإيران والهند في الثاني عشر من سبتمبر 2000.

وفي السنوات التالية انضمت 10 دول أخرى بما في ذلك أذربيجان وتركيا، إلى هذا المشروع.

ويهدف ممر النقل بين الشمال والجنوب إلى تقليل وقت نقل البضائع من الهند إلى روسيا، وكذلك إلى شمال وغرب أوروبا.

ويحظى الممر، الذي لم يعمل بكامل طاقته بعد، بمكانة مهمة في العلاقات الثنائية والتجارية بين روسيا وإيران، الخاضعتين للعقوبات الغربية.

يطرح الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا مستقبل وفعالية مشروع مبادرة الحزام والطريق الذي يهدف إلى زيادة تجارة بكين مع آسيا الوسطى وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.

وتهدف المبادرة التي أصبحت شريكة لأكثر من 150 دولة ومنظمة دولية في العقد الأخير إلى زيادة القوة التجارية لبكين في منطقة جغرافية تغطي ثلثي سكان العالم كما يعتبر المشروع الذي يشمل مسارات بحرية بالإضافة إلى السكك الحديدية والطرق البرية مبادرة تربط الصين بالعالم.

ويتكون هذا الممر، الذي من المقدر أن يغطي أكثر من 2600 مشروع في أكثر من 100 دولة من 6 طرق رئيسية ومن هذه الطرق مشروع “الممر الأوسط” الذي يبدأ من تركيا ويصل إلى الصين.

ويصل هذا الطريق إلى جورجيا وأذربيجان وبحر قزوين على التوالي عبر وصلات السكك الحديدية والطرق انطلاقا من تركيا ومن هناك إلى الصين باتباع مسار تركمانستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان باستخدام معبر قزوين.

ومن المتوقع أن تؤدي مبادرة الحزام والطريق إلى زيادة التجارة العالمية بأكثر من 6 في المائة ويقدر الخبراء أن الأموال التي ستنفقها الصين على هذه المبادرة قد تصل إلى 1.3 تريليون دولار بحلول 2027.

ومن خلال هذه المبادرة زادت الصين علاقاتها السياسية والتجارية مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا، كما زاد نفوذها في المنطقة بشكل ملحوظ.

بالنسبة للممر الاقتصادي البديل الهندي سيعزز العلاقات التجارية بين شركاء واشنطن في الشرق الأوسط مع نيودلهي بدلا من بكين

وبعد الإعلان عن اتفاقية الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا فسرت أوساط دولية أن الهدف من المشروع هو كسب الهند إلى جانب الغرب وتطوير بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

وإذا تم تنفيذ هذا البرنامج فإنه سيعمل أيضا من وجهة نظر الولايات المتحدة على تعزيز العلاقات التجارية بين شركاءه في الشرق الأوسط مع الهند بدلا من الصين.

وحضي تطور العلاقات التجارية والسياسية بين دول الخليج والصين في السنوات الأخيرة بمتابعة وثيقة من قبل إدارة واشنطن.

وتنظر الولايات المتحدة إلى المبادرة الصينية على أنها خارطة طريق ستعزز نفوذ ثاني أكبر اقتصاد في العالم لاسيما في أفريقيا والشرق والأوسط وبوسعها أن تفتح منافذ جديدة أمام الصين للوصول إلى منابع الطاقة الرئيسية في الشرق الأوسط والمعادن النادرة في دول أفريقية.

وقال مايكل كولغمان، مدير معهد جنوب آسيا بمركز ويلسون، في منشور عبر منصة “إكس” إن “الاتفاق يمكن أن يغير قواعد اللعبة ويعزز الاتصال بين الهند والولايات المتحدة والشرق الأوسط بهدف مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية”.

وتتزايد المنافسة والصراع على النفوذ بين الصين والولايات المتحدة، في العديد من المجالات خاصة في مجال التكنولوجيا.

واشنطن تواصل جهودها لتطوير علاقات التحالف والشراكة مع دول المنطقة من أجل خلق توازن ضد نفوذ الصين المتزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وبينما يتزايد التوتر بين بكين وواشنطن مع التصريحات المتبادلة بشأن تايوان فإن الخطوات المتبادلة التي تتخذها الدولتان في مختلف المجالات تتسبب في تسليط الضوء على التوتر بشكل أكبر.

وتواصل الولايات المتحدة جهودها لتطوير علاقات التحالف والشراكة مع دول المنطقة من أجل خلق توازن ضد نفوذ الصين المتزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

فالنزاعات على السيادة والتي تتحول في الكثير من الأحيان إلى توترات بين الدول الساحلية في بحر الصين الجنوبي تعمل على جعل دول المنطقة الأخرى المنزعجة من الوجود العسكري المتزايد للصين وموقفها التدخلي في المنطقة أقرب إلى الولايات المتحدة.

إضافة إلى النفوذ الإقليمي هناك سلسلة من التوترات بين البلدين في المجال التكنولوجي حيث تتزايد المنافسة بين الإدارة الأميركية والصين في مجال إنتاج الرقائق.

زر الذهاب إلى الأعلى