اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

الدبّتان اللتان هزّتا عرش نيويورك: حين حاول ماء الوضوء المرور عبر الجمارك الأمريكية

 

بقلم/ المحامية والمستشارة القانونية / سارة سعيد

كنت أظن أن أغرب ما يمكن أن يمر على الجمارك الأمريكية هو علبة بهارات، أو قات مخبأ داخل علبة شاي أخضر، أو جدّة يمنية تُصرّ على حمل بُرمة اللحم داخل الطائرة.. لكن يبدو أن الحياة دائماً تقول لنا: “اصبروا.. أغرب الأشياء لم تحصل بعد.”

القصة ببساطة.. دبّتان من ماء الوضوء – نعم، ماء وضوء حقيقي، مُستعمل من عدة أشخاص – تم شحنهما من اليمن إلى الولايات المتحدة، بنية شريفة: فكّ العين عن طفل مريض..

والناس الذين يُشتبه بأنهم “صرعوه بالعين” قاموا بالوضوء، وتم جمع الماء منهم في دبّتين، تحتوي كل واحدة منهما على 5 لترات من ماء الوضوء.. عملاً بمبدأ: “الشر اللي يجيلك منه الريح.. أجمعه كله في مكان واحد واستريح..”.

ورغم أن النية طيبة، إلا أن الجمارك الأمريكية لا تفهم في النوايا؛ هي تفهم فقط شيئاً واحداً:
“What the heck is inside this container?”

وهكذا تم إيقاف الدبّتين، كأنهما تحتويان على أسرار عسكرية..

دخلتا المختبر.. بدأت التحاليل.. ظهرت النتائج.. وإذا بنا أمام تقرير يصلح أن يكون مرجعاً علمياً في الميكروبات.. المختبر أكّد (بتعبير مهذّب): “ما بداخل الدبّتين.. ليس ماء.” بل هو معرض بيولوجي متنقّل، فيه بكتيريا الجلد، وبقايا أوساخ، وميكروبات الفم، وآثار فيروسات شائعة تنتقل عبر المياه الراكدة، وكل ما يتوقّعه العلم من ماء اختلط بأذرع وأوجه وأيدي متعددة.

والأمر في الحقيقة ليس غريباً، لأن المياه الراكدة أو المشتركة بين عدة أشخاص تُعد من أكثر أنواع المياه عرضة لنقل الجراثيم حسب منظمة الصحة العالمية (WHO). والـ CDC تقول بوضوح إن المياه التي تحتوي على مخلفات بشرية (عرق، لعاب، جلد، مخاط) يمكنها حمل فيروسات وبكتيريا عديدة..

لكن دعونا من العلم.. ولنرجع إلى المشهد الكوميدي..

تخيّلوا الجمارك الأمريكية وهي تفحص الدبّتين.. ضابط ينظر للعبوة بريبة.. وآخر يفتحها فيشم رائحة لا يمكن تصنيفها.. وثالث يسأل: “هل يجب علينا إبلاغ الـ FBI؟ أم نغسل أيدينا فقط؟”

ووسط هذه الفوضى..

تخيّل معي الموظف الأمريكي وهو يحاول فهم ما يحدث، فيقول لزملائه:
“Guys.. someone shipped used washing water.. to cure envy?!”

فيردّ الآخر:
“Honestly.. this is the most superstitious and strange #cultural thing we’ve ever scanned.”

وفي الطرف الآخر.. صاحب الشحنة يجلس في نيويورك، ينتظر العلاج، ويتواصل مع أهله:
– “وصلت الدبّتان؟”
– “ايوه وصلت.. بس حالياً في الحجز الانفرادي.”

وبين العلم والمختبر والجمارك.. ضاعت نية الخير.. وتحولت الدبّتان من #علاج للعين إلى قضية صحية دولية..

لكن الحق يُقال.. حتى وأنا أضحك أثناء كتابتي لهذا المقال، فإن تفاصيل القصة تشرح شيئاً عميقاً في النفس البشرية.. وهو أنه حين يتألم الإنسان، يتمسّك بأي خيط أمل – علمياً، اجتماعياً، أو روحانياً – ليحاول إنقاذ من يحب..

وإن كانت هاتان الدبّتان قد أثارتا الضحك عند الموظفين الأمريكان، والصداع عند المختبر، والقلق عند المرسل..

فهما في النهاية مجرد محاولة بائسة من قلوب تخاف على الطفل، وتبحث عن الشفاء في كل زاوية ممكنة..
ومع ذلك.. لا أنكر أنني ضحكت عندما تخيّلت موظف الجمارك وهو يكتب في تقريره:
“Contents: Water.. plus unidentified Yemeni blessings.”

تنويه هام: تستند هذه الرواية إلى قصة واقعية عاشها الأخ شكيب محمد الشبيبي مع والد الطفل، وحقوق القصة مملوك له وناشئة عن تجربته الشخصية.

المحامية والمستشارة القانونية / سارة سعيد
ماجستير القانون الجنائي – فرنسا

زر الذهاب إلى الأعلى