اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

قطر بين مطرقة التهديد الإسرائيلي وسندان الحسابات الإقليمية.. الخليج على صفيح ساخن

 

النقابي الجنوبي/خاص

لم يعد ما يعيشه إقليم الشرق الأوسط وشرق المتوسط والخليج العربي مجرد أحداث عابرة أو تحديات وقتية بل تحوّل إلى لوحة معقدة من الأزمات المتشابكة التي تجاوزت حدود الإقليم لتفرض نفسها على طاولة المجتمع الدولي.

فالتقلبات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة في الآونة الأخيرة كشفت هشاشة التوازنات القائمة ووضعت الجميع أمام واقع جديد تتداخل فيه الحسابات المحلية مع مصالح القوى الكبرى لتتحول الأزمة من شأن إقليمي ضيق إلى قضية عالمية ملحة.

وفي تطور خطير قد يغيّر قواعد اللعبة في الخليج كشفت تسريبات خاصة عن وجود مخطط إقليمي معقّد يضع قطر في قلب مواجهة مباشرة مع إسرائيل وسط تداخلات إقليمية ودولية تنذر بانفجار صراع يتجاوز حدوده الجغرافية.

على إثر ذلك تضع إسرائيل الدوحة في دائرة الاتهام بدعم فصائل فلسطينية شاركت في عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو ما استُخدم ذريعة لتبرير تصعيدها السياسي والعسكري ضد قطر. لكن الأخطر كان في التهديدات الإسرائيلية العلنية بتحويل قطر إلى قاعدة عسكرية متقدمة إذا لم تُطرد القيادات الفلسطينية المقيمة في الدوحة فيما وصف مراقبون تلك التصريحات بأنها تجاوزت حدود الضغط السياسي لتكشف عن نزعة توسعية تمس أمن الخليج مباشرة.

أنقرة تلوّح بالقوة وطهران تنتظر الفرصة

تركيا التي ترى في قطر نقطة ارتكاز لنفوذها الإقليمي لم تتأخر في إعلان موقفها حيث رفع الرئيس رجب طيب أردوغان السقف إلى أقصى درجاته قائلاً: “المساس بقطر يعني إعلان الحرب على تركيا” ما جعل القوات التركية في القاعدة العسكرية بالدوحة ترفع جاهزيتها تحسباً لأي طارئ.

إيران من جهتها تترقب بصمت لكنها – وفق مراقبين – تنتظر لحظة الانفجار للدخول على خط المواجهة كلاعب رئيسي، بما يمنحها موقعاً تفاوضياً أقوى أمام الولايات المتحدة والغرب.

الخليج بين الحذر والامتحان الصعب

السعودية والإمارات اختارتا التزام الحذر مفضّلتين عدم الانجرار إلى مواجهة مفتوحة قد تهدد استقرار المنطقة واقتصاداتها فيما يرى خبراء أن أي عمل عسكري على الأراضي القطرية سيضع دول الخليج أمام امتحان مصيري إما الدفاع عن أمنها الجماعي أو مواجهة خطر أن تتحول المنطقة إلى ساحة صراع دولي تتجاوز حساباتها.

واشنطن ولندن.. إدارة التوتر من خلف الستار

التسريبات تشير إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا تمسكان بخيوط الأزمة وتحرصان على إبقاء التوتر قابلاً للاشتعال في أي لحظة.

ويبقى الهدف بحسب محللين هو إبقاء الخليج تحت الضغط بما يخدم مصالحهما في السيطرة على مصادر الطاقة وخطوط الملاحة الدولية.

محاولة اغتيال فاشلة وضربة موجعة

في السياق الأمني كشفت تقارير أن وفداً تفاوضياً لحركة حماس نجا من محاولة اغتيال في الدوحة بعد تحذيرات عاجلة وصلت عبر قنوات تركية – قطرية. لكن بعد ساعات فقط شنت إسرائيل غارة جوية على مقر سكني مخصص لاجتماع الوفد بمشاركة دعم لوجستي من قاعدة العديد الأمريكية وفق ما ورد في التسريبات.

الهجوم أدى إلى مقتل ستة بينهم نجل القيادي خليل الحية وعدد من مساعديه إضافة إلى عنصر من الأمن الداخلي القطري.

ورغم نجاتهم من الكمين تكبدت الحركة خسائر بشرية موجعة على مر السنوات الماضية فبينما نتنياهو برّر الضربة بأنها “موجهة ضد مدبري هجوم أكتوبر”، إلا أن المراقبين رأوا فيها رسالة مزدوجة تهدف إلى إفشال أي مسار تفاوضي من جهة، وكشف هشاشة المنظومات الدفاعية القطرية من جهة أخرى.

جورنال وول ستريت “الأمريكية كشفت مستور الموقف القطري بالقول إن واشنطن أبلغت الدوحة بمكان وموعد القصف الإسرائيلي. الصحافة الإسرائيلية بدورها ذهبت إلى ذات المنحى، من أن تنسيقاً مع قطر تم قبل استهداف قيادة حماس.

وقال الكاتب والصحفي الجنوبي خالد سلمان في تغريدة عبر حسابه بمنصة إكس إن “الدوحة قدمت رواية ضعيفة مضطربة بدأت بالنفي المطلق لعلمها بساعة الصفر ثم تراجعت وقدمت رواية ناقصة، النفي ثم نصف الحقيقة والإعتراف بإن إخطارها تم والقنابل الإسرائيلية تتساقط على المواقع المستهدفة”.

وتابع سلمان “من إرث الموقف القطري غير المتوازن وقيامه بأدوار مشبوهة في محطات متعددة فإن السردية الأمريكية الاسرائيلية أكثر إحتمالاً واقرب للصواب”.

وأشار إلى أبعاد الضربة ودورها والمستفيد منها بقوله “الإستخلاص :
في حال تم تصفية الصف القيادي الأول لحماس بمباركة قطرية تكون إسرائيل قد حققت أحد أهم الأهداف. وفي حال إغتيال المسار السياسي التفاوضي وببصمة قطرية، أيضاً تكون ، تل أبيب قد اسقطت خيار الصفقة ، وأعادت إحتلال غزة بعد إبادتها كاملة.
وفي الحالتين تكون إسرائيل قد حققت هدفها :
وأد القضية الفلسطينية بقفازات قطرية”.

في ضوء ذلك وضع خالد سلمان مقارنة بين الحجم الطبيعي لدولة قطر وأفعالها في الدول العربية وأثره على محيطها وما جنته من صنيع أعمالها “عبثت قطر كثيراً بالأمن القومي العربي ، لعبت على كل التناقضات وصنعت معادلات قوة معارضة للأنظمة، إمتلكها الوهم إنها محمية من أكبر قاعدة أمريكية على أراضيها، وإن الغطاء الإمريكي يكفي لتحصينها من كل استهداف اسرائيلي، وكانت النتيجة إن أمن إسرائيل أولوية أمريكية، وإن حماية الأنظمة الخليجية فعل ثانوي إذا كانت إسرائيل هي الطرف الآخر.

لقد أهينت السيادة القطرية اليوم، وترنحت سياسة الدوحة الخارجية، وأثبتت الوقائع هشاشة الدولة وإستحالة أن تتخطى حجمها الصغير ودورها المرسوم لها سلفاً”.

ثغرات “الباتريوت”.. أزمة ثقة خليجية

أخطر ما في المشهد كان اعتراف وزير الخارجية القطري بفشل منظومة الدفاع الجوي الأمريكية “باتريوت” في رصد الصواريخ الإسرائيلية أثناء الهجوم بما يفتح الباب على مصراعيه أمام أسئلة تمس أمن الخليج بأكمله:
-هل الخلل تقني بحت؟ أم أن المنظومة مبرمجة لتكون عاجزة أمام أهداف إسرائيلية؟ أم أن واشنطن تحتفظ بخاصية التحكم عن بُعد لتعطيلها في لحظات حرجة؟

إذا صح الاحتمال الأخير فإن دول الخليج قد تكون جميعها مكشوفة أمام أي هجوم إسرائيلي وهو ما يهدد الثقة الاستراتيجية في التحالف العسكري مع واشنطن.

القمة الطارئة.. بيانات أكثر من قرارات

الهجوم الإسرائيلي على الدوحة دفع إلى عقد قمة عربية إسلامية طارئة في 15 سبتمبر 2025. دعا بيانها الختامي إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل فيما محللين سياسيين استبعدوا أن تتحول هذه الدعوات إلى خطوات عملية بسبب الانقسام العربي وضغوط القوى الكبرى.

قطر من وسيط إلى طرف في الصراع

منذ 2012 تستضيف الدوحة المكتب السياسي لحركة حماس، ولطالما لعبت دور الوسيط بين الحركة وإسرائيل برعاية أمريكية ومصرية. لكن اليوم ومع الضربة الإسرائيلية المباشرة على أراضيها لم تعد قطر مجرد وسيط بل أصبحت طرفاً رئيسيا في الصراع.

إسرائيل من جانبها واصلت نهج “قطع الرؤوس”، حيث اغتالت في العامين الماضيين إسماعيل هنية في طهران ويحيى السنوار في غزة والآن استهدفت كوادر بارزة في الدوحة. وبالتوازي، تشير الإحصائيات إلى مقتل أكثر من 64 ألف فلسطيني منذ أكتوبر 2023، معظمهم من المدنيين، ما يفاقم حالة الغضب الإقليمي والدولي.

الخليج على مفترق طرق

يتضح أن استهداف الوفد الفلسطيني المفاوض في الدوحة لم يكن حدثًا معزولًا بل حلقة في سلسلة طويلة من محاولات تقويض أي مسار تفاوضي مستقل يخدم القضية الفلسطينية.

وفي المقابل، فإن صمت قطر المريب وعدم اتخاذها موقفًا حازمًا أمام هذا الانتهاك يضعها في خانة التواطؤ مع قواعد لعبة دولية مرسومة بعناية، تُدار خيوطها من قبل القوى الكبرى لتحقيق أجنداتها الخاصة على حساب الحقوق المشروعة للشعوب.

إنها لحظة تكشف بجلاء أن الصراع لم يعد فقط بين إسرائيل والفلسطينيين بل بين مشروع تحرري يبحث عن العدالة ومنظومة عالمية تحاول تكبيله وإبقائه رهين موازين القوى والمصالح.

المشهد الراهن يضع الخليج أمام مفترق طرق خطير. فإما أن يظل الصراع محصوراً في رسائل سياسية وعسكرية محسوبة، أو أن تنفلت الأمور لتتحول الدوحة إلى ساحة مواجهة إقليمية كبرى قد تخلط أوراق الأمن والاقتصاد معاً.

وإلى أن تُحسم الخيارات تبقى المنطقة على صفيح ساخن مترقبة لحظة “ساعة الصفر” التي قد تندلع في أي لحظة لتفتح فصلاً جديداً من المواجهة قد يطال الخليج برمته.

زر الذهاب إلى الأعلى