اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
تحقيقات

إثر بقاء الجبهات في سبات عميق.. اختراق الحوثيين مفاصل الشرعية اليمنية يفضي إلى تآكل المشروع الوطني من الداخل

النقابي الجنوبي/خاص

تزعم البروباجندا الإعلامية أن الحرب تدك رحاها بين الشرعية اليمنية ومليشيات الحوثي المدعومة من إيران فيما تتكشف الصورة يوماً بعد آخر دلائل جديدة تشير إلى أن الصراع لا يُدار على خطوط النار بل على وسائل الإعلام فقط في الوقت الذي يغزو مؤسسات الدولة حرب أخرى من نوع آخر نجح فيه الحوثيون في اختراق أجهزة الشرعية اليمنية والتوغل في مفاصل حساسة في الإدارة المدنية والأمنية والعسكرية حتى أعلى هرم الدولة عبر غطاء الوظيفة العامة وتبادل المصالح، ما أتاح تنفيذ أجنداتهم الخفية وتحييد خصومهم دون إحداث طلقة واحدة.

وتؤكد تقارير ومصادر موثوقة تورط عناصر من القيادات المنضوية تحت مظلة “الشرعية اليمنية الإخوانية” في عمليات تخابر وتنسيق مباشر مع مليشيات الحوثي، عبر استغلال المناصب الحكومية في عدن والرياض، لتنفيذ أجندة المليشيات داخل مؤسسات الدولة، وتوفير التسهيلات اللوجستية والمعلوماتية اللازمة لتمكين المشروع الحوثي من التمدد في الجغرافيا والسياسة الوطنية.

بدأت ملامح هذا الاختراق تتشكل منذ سنوات، إلا أن التطورات الأخيرة كشفت مدى تغلغل الحوثيين داخل أجهزة الدولة وعملية التخابر الحوثي الإخواني عبر ما يُعرف بـ”الاختراق الهادئ” الذي يرتكز على تعيين عناصر موالية للحوثيين أو متعاطفة معهم في مواقع إدارية ومؤسسات رقابية وأمنية وعسكرية مستغلين غطاء الشرعية اليمنية والولاءات القبلية أو السياسية وسرعان ما تطور هذا الحضور من مجرد تواصل محدود إلى خلايا مترابطة تعمل كأذرع ناعمة للجماعة في قلب مؤسسات الدولة في قصر معاشيق حيث مقر الرئاسة والحكومة المؤقت عند مغادرتها سكنها الدائم في الرياض ووصولها العاصمة عدن.

نجاح القوات الجنوبية يصدح به بيان اللجنة الأمنية العليا

كشفت تقارير محلية عن وجود مسؤولين في الحكومة ووزارات يمنية حيوية يحتفظون بعلاقات مباشرة مع قيادات حوثية في صنعاء اليمنية وهم – غالباً ما تم تعيينهم في إطار توازنات سياسية أو محاصصة مناطقية – يشكلون حلقة وصل لتسريب المعلومات وتسهيل تمرير قرارات تصب في مصلحة الحوثيين.

خير شاهد على عملية التخابر والتخادم الإخواني الحوثي ما صرحت به اللجنة الأمنية العليا خلال اجتماعها المنعقد يوم الأحد 29 يونيو 2025 في قصر المعاشيق بالعاصمة عدن، حول تفكيك خلية إرهابية خطيرة في محافظة تعز اليمنية مرتبطة بمليشيات الحوثي وتنظيمي القاعدة وداعش يتزعمها الإخواني أمجد خالد متورطة بسلسلة اغتيالات وتفجيرات ارهابية استهدفت قيادات أمنية ومدنية جنوبية على رأسها اللواء ركن ثابت جواس ومحافظ العاصمة عدن أحمد حامد لملس سبق وأن تم كشف خيوطها وقيادتها وعلاقتها بمليشيات الحوثي ووكرها الرئيسي والتحذير من أنشطتها الإجرامية من قبل الأجهزة الأمنية في عدن وقدمت بشأنها أدلة دامغة واعترافات رسمية لم تلقَ للأسف في حينها آذانا صاغية من الجهات الرسمية في مؤسسة الرئاسة والحكومة بل تم تجاهلها، وسط حملات تشكيك اخوانية ترعى هذه الشبكات ومواقف سياسية متقلبة تجاه من كان يقود هذه الشبكة ويديرها وهو الإرهابي أمجد خالد، الذي كان لا يزال يُصوره البعض كقائد عسكري في وقت كانت الأدلة والبراهين منها اعترافات خلايا تم ضبطها في عدن انه أداة حوثية تدير أخطر شبكة ارهابية تستهدف العاصمة عدن ومواطنيها والقوات المسلحة الجنوبية.

اللجنة أقرت بحجم التورط وخطورة هذه الشبكة الارهابية وفداحة ما ارتكبته من عمليات ارهابية ووجود معامل تفخيخ وعبوات ناسفة ومعلومات استخباراتية دقيقة عثر عليها في منزل الارهابي أمجد خالد بمدينة التربة محافظة تعز اليمنية وسبق للسلطات الأمنية بالعاصمة عدن من التحذير من هذا الوكر الارهابي الخطير.

ذلك الإقرار يؤكد مصداقية ومهنية القوات المسلحة الجنوبية والأجهزة الأمنية ومدى جديتها في محاربة الإرهاب ودك أوكاره وتنظيماته وخلاياه والاطراف الداعمة له وكشف الحقائق بالأدلة الدامغة والتحذير من هذه التهديدات وشبكاتها وخلاياها وغرف عملياتها.

ماصدر عن اللجنة الأمنية العليا يجب أن يُقرأ كإنجاز نوعي وثمرة  من سلسلة نجاحات وانجازات حققها أبطال القوات المسلحة والأمن الجنوبية، الذين ثبتوا، وواجهوا الإرهاب وخلاياه بشجاعة، وقدموا دماءهم دفاعًا عن شعبهم ووطنهم الجنوب وعاصمتهم عدن.

علاقة تقارب الشرعية – الحوثي بين عدن والرياض

في العاصمة عدن تفيد المصادر أن عشرات الموظفين اليمنيين في مفاصل حساسة يعملون بتنسيق مباشر أو غير مباشر مع الحوثيين، وينقلون معلومات تتعلق بتحركات الحكومة، والموازنات، والموارد النفطية، وحتى تحركات بعض القيادات العسكرية.

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل رُصدت حالات تسريب وثائق أمنية وأوامر عسكرية إلى الحوثيين، كان لها دور مباشر في فشل عمليات عسكرية خطط لها التحالف والشرعية في جبهات مأرب والجوف وتعز اليمنية.

ما يثير الدهشة أن هذا الاختراق لم يقتصر على الداخل بل امتد إلى العاصمة السعودية الرياض، حيث يقيم عدد من مسؤولي الحكومة اليمنية وأعضاء في مجلس القيادة الرئاسي – بحسب تقارير أمنية سرية – يحتفظون بقنوات اتصال نشطة مع قيادات حوثية في صنعاء اليمنية.

مصادر خاصة أكدت أن هذه القيادات تتلقى تعليمات غير مباشرة أو تُقدم تقارير دورية لمصلحة الحوثيين، تتعلق بمواقف السعودية، وتحركات التحالف، وخطط التمويل، وحتى مشاريع إعادة الإعمار في المناطق المحررة. وتتم هذه العمليات تحت ستار “العلاقات القبلية القديمة” أو “حسن النية السياسي”، فيما تُدار عبر وسطاء يستخدمون تطبيقات مشفرة للاتصال ويزودونهم بمعلومات عن تحركات قيادات الشرعية ومضامين التفاوض ومستويات الدعم العسكري والمالي الذي يتلقاه الجيش الوطني من التحالف.

خطط الشرعية اليمنية في خدمة الحوثي

حقائق كثيرة تسطع على الواقع تميط اللثام عن خفايا علاقة الشرعية اليمنية بمليشيات الحوثي على رأس ذلك عدد من القرارات الحكومية التي أُقرت خلال السنوات الماضية تحمل بصمات غير مباشرة لتوجهات حوثية كعرقلة عمل المنظمات الدولية في بعض المحافظات المحررة أو تعطيل صرف مرتبات منتسبي الجيش في الجبهات المشتعلة وحرب الخدمات التي تشنها الشرعية اليمنية ضد المواطن منها انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وانهيار العملة المحلية والارتفاع الجنوني للأسعار الأمر الذي يصبّ في مصلحة الحوثيين عسكرياً ومعنوياً.

يقول مراقبون إن الحوثيين يديرون شبكة “علاقات مصالح” لا تقل خطورة عن العمل الميداني المسلح، حيث يتم تمرير مصالحهم من خلال أدوات داخل الشرعية، تعمل على إضعاف المقاومة الوطنية وتفكيك التحالفات الداعمة للدولة، مما يمنح الحوثيين متسعاً من الوقت والمجال لإعادة ترتيب صفوفهم في الشمال.

وكشف خبير سياسي طلب عدم الكشف عن اسمه بقوله إن: “الحوثيين لا يحكمون فقط بالحديد والنار في صنعاء، بل أصبحوا يشاركون في صناعة القرار من داخل غرف الشرعية دون أن يرفعوا سلاحاً. هذا هو الانتصار الأخطر في هذه الحرب”.

وفي قطاع الإعلام كشفت تقارير أن برامج “توعية وطنية” موّلتها حكومة الشرعية اليمنية حملت مضامين غير مباشرة تخدم خطاب الحوثي الطائفي أو تسعى لتشويه أطراف مناوئة له داخل الحكومة.

قنوات دعم مالي للحوثيين

مع توسع أشكال الدعم الذي تقدمه جهات في الشرعية لجماعة الحوثي ما يتعلق بتحويلات مالية مشبوهة وفتح اعتمادات تجارية باسم شركات تعمل فعلياً تحت سلطة الحوثيين وهو ما يتيح للجماعة تأمين احتياجاتها من الوقود والمواد الأولية لصناعة الأسلحة رغم العقوبات الدولية المفروضة عليها.

ولفتت مصادر مصرفية إلى أن هناك مصارف خاصة تعمل من عدن والمهرة تتولى عمليات “غسيل أموال” لصالح شبكات الحوثي، تحت ستار التحويلات الإنسانية أو التجارية.

في ذات السياق تم الكشف عن تسهيلات في إصدار وثائق رسمية من محافظات محررة، تُستخدم لاحقاً في التنقل أو التغطية الأمنية لعناصر حوثية تسللوا إلى الجنوب أو حتى إلى خارج الدولة.

أبعاد تماهي عناصر الشرعية اليمنية مع مشروع الحوثي

هذا التواطؤ يقف خلفه عوامل عدة فالبعض يتحرك بدعوى دافع الخوف من بطش الحوثيين على أهله أو ممتلكاته في صنعاء، فيما البعض الآخر يبرر ذلك بأنه “ضمانة للسلام” أو “جسرا للتواصل”، في حين ينخرط آخرون في هذا المخطط من منطلق انتهازي بحث: المال، النفوذ، أو تسوية مواقع مستقبلية مع سلطة الحوثيين التي يرونها أمراً واقعاً قادماً.

ويرى محللون أن غياب المحاسبة والرقابة، وارتخاء القبضة الإدارية داخل حكومة الشرعية اليمنية ساهم إلى حد كبير في تغذية هذا الانحراف وسط صمت رسمي يثير الشكوك.

تهريب شحنات محظورة

ارتبطت عمليات تهريب الأسلحة إلى الحوثيين بفاعلين محليين وإقليميين ودوليين عملوا عبر شبكات معقدة ومسارات بحرية وبرية وجوية يصعب تتبعها. وعلى الرغم من القرارات الأممية التي فرضت حظرًا على توريد السلاح إلى اليمن إلا أن المليشيات الحوثية واصلت تعزيز قدراتها العسكرية بشكل ملحوظ، مما أثار تساؤلات حيوية حول ديناميكيات هذه العمليات وأثرها على الأمن الإقليمي والدولي خصوصًا في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن.

وماهية المسارات البحرية والبرية والجوية المستخدمة في تهريب الأسلحة إلى اليمن؟

شهدت الأجهزة الجمركية في المنافذ الحدودية مع سلطنة عُمان ضبط شحنات محظورة مهربة بينها معدات متعلقة بالجانب العسكري من قطع غيار ومناظير أسلحة حرارية وتقنيات اتصالات وأجهزة تشويش ومحركات لطائرات مسيرة في ميناء شحن بمحافظة المهرة متجهة لمليشيات الحوثي عبر منافذ تسيطر عليها قوات المنطقة العسكرية الأولى ما يقود إلى الجزم أن العلاقة بين جماعتي الإخوان والحوثي لم تنقطع وأن تسهيل الإخوان دخول هذه الأسلحة القادمة من إيران عبر مياه عُمان يؤكد أن هناك فعل تضامني بين الطرفين  يستهدف الملاحة الدولية.

آخر تلك العمليات ما أعلنت عنه جمارك منفذ صرفيت على الحدود مع عمان في 24 مارس/آذار، عن ضبط 800 مروحة طيران مسير صناعة صينية، كانت على متن سيارة توسان وموزعة على المقصورة الأمامية والخلفية للسيارة في طريقها إلى مليشيات الحوثي.

مجلس الأمن اتخذ في 28 فبراير 2023، خطوة جديدة في تجفيف مصادر تسليح الحوثيين، عبر توسيع حظر الأسلحة المفروض على الجماعة ليشمل جميع عناصرها، بعد أن كان مقتصرًا على قادتها فقط، في محاولة لوقف تدفق الأسلحة المهربة القادمة من إيران عبر شبكات تهريب معقدة.

في ذات السياق أشار فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن في تقرير سابق إلى أن أفرادًا وكيانات في سلطنة عُمان يواصلون تزويد الحوثيين بمكونات منظومات الأسلحة والمعدات العسكرية.

رغم العقوبات والتحذيرات استمرت حكومات الشرعية اليمنية المتعاقبة بتقديم تسهيلات عبور لبعض الشحنات من مناطق سيطرتها إلى مناطق الحوثيين، تحت ذرائع إنسانية أو تجارية. لكن تحقيقات محلية أظهرت أن بعض هذه الشحنات تضمنت تقنيات اتصالات وطائرات مسيرة ومعدات طبية وعسكرية استخدمها الحوثيون لتعزيز قدراتهم العسكرية.

وسط كل هذا الاختراق يسيطر قاعدة لعبة المصالح. على العديد من قيادات الشرعية اليمنية كونها باتت ترى في التفاهمات الضمنية مع الحوثيين طريقاً آمناً للحفاظ على نفوذها أو استثماراتها.

ما أفرزته الشرعية اليمنية في عشر سنين يعد مؤشرات على تآكل المشروع الوطني من الداخل وتحول أجهزة الدولة إلى واجهة لإدارة مصالح متناقضة، تتقاطع أحياناً مع عدوها الأول الحوثيون.

ويبقى السؤال: هل تملك الشرعية الجرأة لإجراء جرد حساب داخلي؟ أم أن حالة الإنكار ستستمر حتى تنهار آخر مؤسسات الدولة على يد “العدو الحليف”؟

زر الذهاب إلى الأعلى