الاستدامة الفكرية !!

أ.مارسيل فضل
الشجرة التي تقرر الاكتفاء الذاتي وتمتنع عن امتصاص مياه الاستدامة الحياتية تعرض نفسها لخطر الجفاف فتتساقط أوراقها، وتضرب ساقها بفأس البتر فينتهي بها المطاف في تنور الإحراق للقيام بأدوار الخدمة المجتمعية ولكن من بوابة الهلاك والفناء، وأما تلك الشجرة التي آمنت بفكرة الاستدامة ولم ترفع لواء الاكتفاء الذاتي واستمرت بامتصاص مياه التقدير الإنساني وتقديم عطاءاتها النوعية؛ فإنها تخرج نفسها من حسابات الاجتثاث والفناء.
وكذلك على مستوى التفكير الإنساني فهناك بعض الأقلام التي سبقت عصرها وغردت بجودة أحرفها خارج سرب التقليد وقدمت إبداعها الفكري على طبق من إبهار وإعجاب؛ ولكن لأن تلك العقليات لم تؤمن بفكرة الاستدامة، أو لم تجد من يداعب فكرها بمفردات المشورة لتوجيه بوصلة إبداعها نحو قبلة الاستدامة الفكرية؛ لهذا بمجرد ترجله عن صهوة جواد الفاعلية، وتوقف ذلك القلم عن نثر السحر؛ يندثر ذلك الفكر الإبداعي في تراب النسيان ولن يجد من يحمل مشعل التنوير من بعده ويحافظ على إضاءاته برفع لواء الاستدامة حتى يتواصل عرض حلقات ذلك العطاء الفكري على شاشة الاقتداء المجتمعي.
هي دعوة أرسلها عبر أثير الحب وعلى بساط الحرص الأخلاقي لكل من ينحت في صخر الإبداع، ويحرك بأفكاره الريادية مياه الركود المعرفي، ويطلق العنان لقلمه ليتجول في بساتين البناء الفكري والإنساني؛ أن يمسك بقواعد الاستدامة وأن يحافظ على رصيده الفكري من الاندثار في تراب النسيان، والضياع في دهاليز الشتات المعرفي.
وحتى تحقق الاستدامة لفكرك الذي حررك من قيود الترديد السلبي لنظريات الغير وغادرت به صندوق الاستنساخ الممل لأفكار الآخرين، وحتى تضمن لأفكارك الريادية مواصلة رحلة العطاء والتأثير النوعي في الأجيال القادمة؛ عليك القيام بالآتي:
▪️قم بترجمة أي فكرة تطرق بابك التخيلي حتى لو كانت تسبح في عكس تيار الفكر التقليدي لمجتمعك، فإذا لم تتمكن العقول السطحية من تشرب بعدها المهني، وعدم قدرتها على قياس أثرها الإيجابي، سيحمل الزمان على بساط التحليل من يلمس تلك الأفكار بأنامل التقدير، ويقرأ تلك الأفكار بعقلية التميز المعرفي ويطلق لها عنان التطبيق لتنقل المجتمع نقلة نوعية في مضمار التدافع الريادي.
▪️كم أسهمت عقليتك بتوليد الأفكار الريادية التي دغدغت مشاعر القراء ومنحتهم مفتاح الخروج بعد أن أغلقت الأبواب بأقفال الاستعصاء والعجز، ها هي أفكارك تتجول في صفحات التواصل الاجتماعي تبحث عن لمسة حانية لجمع شتاتها والتأليف بينها في كتاب نوعي يكون كالنواة لكل من يريد تطوير فكره الإبداعي والاستفادة من إرثك الفكري الذي تناثر سحره في ثنايا تلك السطور التي كسرت قيود الصمت الابتكاري.
▪️ظل المجتمع يفتش عن ذلك الفكر الإبداعي بكشاف الأمل، وأخيراً وجد ضالته الجمالية في فكرك الريادي المنشود، فلا تجعل المجتمع يعود إلى مربع التسول ويفتش عن موقعه في خارطة الإنجاز المعرفي؛ بل قم باختيار بعض العقول التي تنفخ في كير التحديات، وتغرد بأحرفها خارج سرب الرتابة الكتابية لإكسابها تلك القدرات التفكيرية لتحمل مشعل التنوير الفكري، وتسهم في الحفاظ على جذوة ذلك الفكر الإبداعي متقدة، بغير هذا الفكر المستدام ستبدأ مياه إبداعك بالانحسار مع اقترابك من خط العجز التوليدي، وستموت أفكارك بموتك وستدفن في تراب الضياع المجتمعي.