الطبّال الذي صار دولة… والدولة التي صارت طبلاً

بقلم:د.فيروز الولي
في اليمن، لا تحتاج لمعرفة علم السياسة لفهم ما يجري…
يكفي أن تعرف شخصية واحدة فقط: المُطَبِّل.
المطبل ليس مجرد شخص يحب الهتاف…
إنه الكائن الوحيد الذي يستمتع بقهر شعب كامل بينما يلعب دور “الوطني الغيور”.
وهو الوحيد الذي يربح من المأساة، بينما يوزّع على الناس نظريات عن الصبر والإيمان… وهو في الحقيقة يُجَرِّب عليهم أنواعًا حديثة من القهر.
قبل 2011، كان هناك شيء يشبه الدولة —
نسخة تجريبية، بطيئة، ثقيلة، لكن تعمل.
ثم جاءت حقبة الاعتماد على “المتعلم الذي يعرف القراءة والكتابة فقط”.
رئيس يقرأ بالعافية…
نواب يشرّعون حسب مستوى “مُتعلم بس مُحمَّض”…
ووزراء لو اختبرتهم في جدول الضرب سيقدمون استقالتهم فورًا احترامًا للرياضيات.
هنا بدأت الكارثة:
سياسي يمثل دور المثقف، ومسؤول يمثل دور الخبير، ومطبل يمثل دور الدولة… والشعب يمثل دور المتفرج الذي لا يستطيع الخروج من المسرح لأن الأبواب مقفلة بإحكام.
الطقم الجديد: كرافات… وعقل بلا ذاكرة
ثم ظهر جيل جديد من المسؤولين:
جيل قليل الوفاء، كثير الحقد، غزير الحسد.
جيل لا يصل إلى المنصب بكفاءته، بل بشجرة العائلة:
ابن فلان، حفيد علان، قريب علان الثاني.
يلبس كرافات مبرومة، وبدلة إيطالية، وحذاء أغلى من قيمة تاريخه، ويمشي بثقة مصطنعة، بينما داخل رأسه فراغ كبير يرنّ فيه صوت واحد:
“أنا هنا لأستفيد… والباقي لا يهم.”
الحاكم ينظر إليه بإعجاب:
“واو! مثقف!”
بينما هذا “المثقف” لا يميز بين تقرير اقتصادي ومقالة طبخ.
تحليل نفسي–اجتماعي
هذه الطبقة مسؤولة عن خلق حالة مرضية في المجتمع:
شعب مهموم، منهك، مُستنزف…
وقادة يعيشون عقدة نقص يريدون تعويضها بسُلطات أكبر من حجم عقولهم.
فصار السياسي يبحث عن التطبيل… والمطبل يبحث عن القرب… والشعب يبحث عن منفذ نجاة.
تحليل اقتصادي
شوف أرصدتهم في البنوك الدولية…
ترتفع مثل أسهم شركات التكنولوجيا.
ثم شوف إنجازاتهم…
صفر منحاز للصفر، يتكاثر مثل الفيروسات.
اقتصاد مهترئ، بطالة متوحشة، وفساد يملك فرعًا في كل محافظة.
تحليل عسكري
الجيش تفتت…
وتحوّل إلى مربعات، وكل مربع له “قائد” يرى نفسه نابليون…
لكنه لا يستطيع إدارة نقطة تفتيش دون 4 اتصالات و3 وساطات ووجبة غداء.
تحليل دبلوماسي
دبلوماسية اليمن أصبحت مثل جهاز قديم:
لا يرسل ولا يستقبل.
الخارجية عبارة عن صور، وبروتوكولات، وخطابات لا يقرأها حتى كاتبها.
الكل يبعث برقيات… ولا أحد يرد.
والنتيجة؟
الوطن نَزِف…
والشعب صبر…
والقادة ترفّهوا…
والمطبل كسب…
والدولة أصبحت طبلًا ضخمًا يضربونه كل صباح حتى لا يسمع الناس صوت الحقيقة.
الخاتمة
سيستمر الانهيار ما دام الصوت الأعلى هو صوت الطبل…
وما دام صاحب الكرافات أغلى من قيمة إنجازه…
وما دام الحاكم يختار المستشارين حسب “الولاء” وليس “الكفاءة”.
الرؤية للخروج من المعضلة
الخروج لا يحتاج معجزة…
يحتاج شيئًا واحدًا:
إعادة الاعتبار للكفاءة، ومحاسبة الفشل، وإغلاق مصنع الطبّالين الذي دمّر اليمن أكثر مما دمّرته الحروب.
عندما يصبح المنصب تكليفًا لا ترفيهًا…
وعندما يُختار المسؤول لأنه يفهم… لا لأنه “ابن فلان”…
وعندما يتوقف الحاكم عن الإعجاب بالكرافات ويبدأ بالإعجاب بالإنجاز…
عندها فقط…
سيصمت الطبل، وستعود الدولة.