نحن شعوب نعبد الرياء… ونحارب الحقيقة

بقلم/ د. فيروز الولي
في عالمٍ صارت فيه العبادات مجرد شعارات، والإيمان حفلة تصوير، والضمير رفاهية نادرة… أصبحنا نحن الشعوب الأكثر ضجيجًا بالدين، والأقل التزامًا به.
نرفع المصاحف بأيدٍ… وتسرق الأيدي الأخرى حقوق الضعفاء.
نصلي بجباهٍ تخشع… وقلوبٍ تتوحّش.
نغار على “الشرف”… وندوس شرف البيت كل يوم دون أن ننتبه.
نحن شعوب بنينا لأنفسنا دينًا جديدًا: دين المظاهر، دين الرياء، دين “الناس ستقول إيش؟”.
المشهد الأول: الشارع الذي يشهد علينا
نرمي زبالتنا في الشوارع ونلعن الفساد.
نسدّ المجاري ونرفع يدينا بالدعاء.
نصلي في المسجد… ونشتم في الطريق.
نُسبّح بالأذكار… ونرفع الإيجار على المستأجر باسم “الظروف”.
نأكل حق أختنا من الميراث ثم نزعم أننا نخاف الله.
نطرد بناتنا بحجة التكاليف، ونسمّي خوفنا “تكلفة”.
وعندما يذكر أحدهم اسم الأخت أو البنت في مجلس… تنفجر الرجولة المزيفة فجأة:
رجولة تستيقظ على الاسم… وتنام على الظلم.
أخٌ يرفض عودة أخته المطلقة كي لا “تنكسر هيبته”، بينما كان أول من أكل ميراثها.
أي دين؟ وأي أخلاق؟ وأي شرف هذا الذي نصفق له؟
المشهد الثاني: السوق… حيث تُباع الأخلاق بالكيلو
حين تأتي أزمة… لا نتصرف كضحايا، بل كقناصين.
نتقن تحويل المصائب إلى تجارة:
بنزين للسوق السوداء.
ماء بسعر اشتعال.
كهرباء للمحظوظين فقط.
إيجارات ترتفع مثل الحمى.
نعرف كيف نستغل الكارثة، كيف نسرق الجائع، كيف ندهس اليائس… ثم ننام مطمئنين لأننا قرأنا “ورقة يس” قبل النوم.
المشهد الثالث: الجهاد بالحوريات
ثقافة الجهاد عند بعضنا ليست دفاعًا عن وطن أو كرامة… بل سباقًا نحو سبعين حورية.
جنة تتحول إلى إعلان “فياجرا سماوية”.
حتى العدو الذي نقاتله — أو نزعم أننا نقاتله — نستخدم عليه:
هاتفه،
عملته،
سيارته،
الإنترنت الخاص به،
ومنابره الإعلامية.
ثم نقول: “سنقتله”.
كيف؟
بـ”واي فاي” العدو؟
المشهد الرابع: الخليل الاجتماعي والدبلوماسي
ظهر نوع جديد من البشر: الخليل الاجتماعي والدبلوماسي.
هذا الذي لا يعرف كيف يدير بيته، لكنه يقدّم نصائح للأمم المتحدة.
لا يحترم زوجته… لكنه يحاضر عن حقوق المرأة.
لا يعطي أخته حقها… لكنه يتحدث عن العدالة.
لا يربي أبناءه… لكنه يفتي للعالم كيف تبنى الدولة.
هو المزيج المقدس من:
معلومات التيك توك، حكم الجدة، غبار الجهل، وجرعة كبيرة من الثقة بالنفس.
أكبر إنجازاته أنه يدير مجموعة واتساب عائلية… ثم يظن نفسه مؤهلاً لإدارة دولة.
التحليل النفسي: لماذا نحن هكذا؟
لأننا نعيش في مجتمعٍ متناقض:
نتدين أمام الناس… ونتوحش داخل البيوت.
نغار على الشرف… ونقتل كرامة المرأة.
نكره الفساد… ونطبقه فور توفر الفرصة.
نخاف من الحرية… ونتفاخر بالديمقراطية.
نحب الله… ونكره العدل.
نحن شعوب تحترف الكذب على نفسها… ثم تستغرب لماذا لا يتغير شيء.
الخاتمة الأقسى: نحن لسنا ضحايا… نحن صُنّاع الخراب
لنكن صريحين حدّ الألم:
ما نحن فيه ليس مؤامرة، ولا قدرًا محتومًا، ولا استهدافًا خارجيًا.
ما نحن فيه… نحن صنعناه بأيدينا.
نحن الذين:
صنعنا طغاة ثم قدّسناهم.
ظلمنا نساءنا ثم تباهينا بالرجولة.
كذبنا على الله ثم قلنا “الإيمان في القلب”.
حوّلنا الأطفال إلى جنود، والمساكين إلى لقمة، والبلد إلى غنيمة.
الخراب لم يسقط من السماء…
الخراب خرج من بيوتنا، من تربيتنا، من خوفنا، من نفاقنا.
الرؤية القاسية للخروج: كسر الأصنام قبل كنس الشوارع
1. كسر صنم “أنا ملاك”
لن ننهض ما دمنا نرى العيب في الآخرين فقط.
النهوض يبدأ من الاعتراف بالذنب… لا من التنصل منه.
2. قتل الرجولة الكرتونية
الرجولة ليست صراخًا ولا تهديدًا ولا قتلًا للشرف.
الرجولة هي الاحترام، والعدل، والحماية… لا البطش.
3. دفن التدين الاستعراضي
الله لا ينظر إلى كم صورة التقطنا في المسجد، بل إلى كم مظلوم أنصفناه.
4. تنظيف العقول قبل تنظيف الشوارع
القمامة الحقيقية ليست في الطرقات…
القمامة في عقول ترفض الحقيقة وتمجد التبرير.
5. إسقاط قداسة الزعيم
لا دولة مع شعب يخاف أكثر مما يفكر، ويسكت أكثر مما يطالب.
6. ثورة داخل الروح
كل ثورة لا تغيّر القيم… ستعيد إنتاج نفس الطغاة بوجوه جديدة.
الخلاصة التي نخاف قولها:
لن نصبح أفضل… حتى نعترف أننا أسوأ مما نعتقد.
لن ننجو… حتى نتوقف عن الكذب على أنفسنا.
لن ننهض… حتى ندفن الجهل والظلم والمظاهر والنفاق.
فقط حين نمتلك شجاعة النظر في المرآة… سيولد وطن يستحق الحياة.
وطنٌ نظيف…
صادق…
عادل…
ويليق بأن يُسمّى وطن