اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
مقالات الراي الجنوبي

صالح ابو عوذل يوجه رسالة: ‏إلى الباحث السعودي سلمان الأنصاري

كتب/صالح ابو عوذل

‏اطلعت على تعليقك الأخير على رأي عبّر عنه الأكاديمي الخليجي المرموق الأستاذ الدكتور عبدالخالق عبدالله، وهو رأي ينطلق من إدراك واضح لقضية وطنية يعرف تفاصيلها الباحثون في المملكة والعالم. واسمح لي يا عزيزي سلمان أن أضع أمامك زاوية أخرى للنقاش؛ زاوية قد تكون مزعجة، لكنها ضرورية لفهم ما يجري بين الرياض وصنعاء وعدن، وبين السيادة وما تبقّى منها.

‏نعلم –وتعلمون– أن اليمن دولة ذات سيادة نظريًا، وأن التدخل العسكري جاء ضمن شرعية «مقارعة إيران وأذرعها في اليمن». لكن تلك المهمة انتهت رسميًا يوم 10 مارس 2023 بتوقيع الاتفاق الإيراني–السعودي في بكين. بعدها، لا حرب ضد إيران، ولا معركة مفتوحة مع الحوثي، بل على العكس: الرياض عارضت عملية حارس الازدهار الأميركية–البريطانية لحماية الملاحة في باب المندب وخليج عدن، رغم أن الخطر الحوثي كان قد تجاوز الحدود اليمنية أصلًا.
‏وهنا، بدأ السؤال الكبير الذي لا يمكن القفز عليه: ما هو وضع اليمن اليوم في ميزان السيادة؟
‏هل نحن أمام دولة كاملة السيادة؟ أم ناقصة السيادة؟ أم دولة موضوعة تحت وصاية ؟
‏السؤال ليس مشاغبة فكرية، بل ضرورة لفهم سبب اعتراضك على رأي أكاديمي خليجي عبّر عن دعم لقضية وطنية عادلة، قضية يعترف بها مجلس التعاون الخليجي نفسه في وثائقه ومقرراته.
‏وإذا كنتم في المملكة تدعمون «الوحدة اليمنية»، فهل الواقع اليمني مؤهّل فعليًا لبقاء هذه الوحدة؟
‏وإذا كانت مشكلة الحوثي بالنسبة للتحالف قد طويت صفحتها، فعلى أي أساس تُبنى التدخلات المستمرة في الملف اليمني؟
‏بل كيف نفهم تصريحات السفير محمد آل جابر، حين قال بوضوح إن قضية الجنوب شأن داخلي لا علاقة للجوار به؟
‏شعب الجنوب يناضل لاستعادة دولته، وهذا حق مكفول في القانون الدولي، لا يعارضه إلا من يعتبر اليمن دولة منزوعة السيادة، وفي هذه الحالة يحق يحق لمن يفرض الوصاية التدخل في كل صغيرة وكبيرة؛ أما إذا كانت اليمن دولة كاملة السيادة، فهنا يصبح السؤال مشروعًا بل ومُلِحًا:
‏إذا كانت المشكلة مع إيران وذراعها الحوثي… فلماذا تحوّلت الحرب إلى حرب ضد الجنوب – وهو الطرف الوحيد الذي قدّم مكاسب حقيقية لعاصفة الحزم؟.
‏بقي يا أستاذ سلمان،
‏القضية ليست خلافًا في وجهات النظر، بل خلاف حول تعريف السيادة ذاتها:
‏هل اليمن دولة كاملة السيادة؟
‏أم منقوصة؟
‏أم تحت الوصاية؟
‏أم أن الحقيقة التي نخجل من قولها بصراحة هي: أن اليمن، تاريخيًا، لم يكن يومًا دولة كاملة السيادة؟، حتى في عهد الإمامة المتوكلية.
‏هذه الأسئلة لا تستهدف التصعيد، بل الفهم. والفهم نصف الطريق نحو علاقة صحية بين اليمن وجارته الكبرى التي نكن لها –ملكًا وشعبًا– كل التقدير.
‏دعني أُغلق عليك بابًا أعتقد أنك ستفتحه، وهو باب الحديث عن “دعم مشروع الوحدة اليمنية”.

‏أولًا، هذا المشروع لم يعد قائمًا أصلًا. والوحدة التي تم التوقيع عليها لم تنل موافقة إقليمية أو دولية، ولم تُبْنَ على ترتيبات مؤسسية أو سياسية حقيقية، بل صيغت على عجل بين قيادتين أنهكهما الصراع، ولم تصمد إلا بضعة أشهر قبل أن تدخل عمليًا في حكم المنتهي.

‏كانت “الوحدة” في أحسن أحوالها راية موحّدة فقط:
‏لا جيش موحّد،
‏ولا عملة موحّدة بالمفهوم القانوني،
‏ولا مؤسسات اندمجت فعليًا،
‏ولا إدارة واحدة للدولة،
‏ولا تصور حقيقي لشراكة سياسية.

‏ظل اليمن الشمالي دولة كاملة القرار، والجنوب دولة أُضعفت بفعل حرب أهلية سابقة، ثم أُلحقت شكليًا دون أي عملية دمج مؤسسي حقيقي. وهذا ليس تحليلًا؛ هذا توصيف موثّق لكل خبراء القانون الدستوري والمنظمات الدولية التي راقبت مرحلة ما قبل وما بعد 1990.

‏ثم جاءت حرب 1994م، وهي حرب عدوانية شنّها النظام اليمني ضد الجنوب، لتعلن بشكل عملي نهاية أي مفهوم للوحدة. والمفارقة أن المملكة العربية السعودية دعمت الجنوب في تلك الحرب، وهو موقف نُسَجِّله في ذاكرتنا الوطنية ونقدّره للأشقاء كل التقدير.

‏منذ 7 يوليو 1994 لم يكن هناك “وحدة” ولا “شراكة”، بل وضع يمكن تعريفه سياسيًا وقانونيًا بأنه احتلال عسكري للجنوب من قبل النظام اليمني الذي فرض الأمر الواقع بقوة السلاح، ثم أداره عبر شبكات فساد ونهب وإقصاء ممنهج استمرت لعقود.

‏لذلك، الحديث اليوم عن “مشروع وحدة” هو حديث عن كيان انتهى قبل أن يبدأ، وانفرط قبل أن تُبنى له أسس، وتحول لاحقًا إلى مظلّة لهيمنة سياسية واقتصادية وأمنية عرفها الجميع.

‏الوحدة التي يتحدث البعض عنها لم نعشها يومًا؛
‏كانت نصًا على الورق، وواقعًا مفروضًا، ثم سقطت في أول اختبار حقيقي عام 1994.

‏والجنوب اليوم لا يطالب بأكثر مما هو حق طبيعي لكل شعب وُضِع تحت وضع غير شرعي:
‏استعادة دولته، وسيادته، وحقه في تقرير مصيره.

‏⁧

زر الذهاب إلى الأعلى