عقود وهمية لسنوات… توكل كرمان تسرق حقوق موظفي “قناة بلقيس”

النقابي الجنوبي/خاص
لم تكن غرفة الأخبار في قناة “بلقيس” سوى واجهة لعملية منهجية من الاحتيال القانوني، طال ضحيتها عشرات الموظفين اليمنيين الذين عملوا لسنوات تحت وهم أن عقودهم قانونية، بينما كانت تلك العقود – الموقّعة باسم مؤسسة يمنية مسجّلة خارج تركيا – تحرمهم من أبسط حقوقهم كعاملين أجانب في الأراضي التركية.
بدأت التفاصيل بالظهور بعد إغلاق القناة أخيراً، لتُكشف وثائق وشهادات تؤكد أن مؤسسة توكل كرمان أبرمت مع موظفي القناة عقود عمل باسم “روما ميديا”، وهو كيان مسجّل في اليمن، وليس باسم “بلقيس ميديا”، الكيان المصرّح له قانونياً بالعمل في تركيا. العواقب كانت وخيمة: لم يحصل الموظفون على إقامات عمل رسمية، ولا تأمين صحي شامل، ولا تأمين على المعاش التقاعدي، ولا إمكانية التقدّم للجنسية التركية – رغم بقائهم في البلاد لسنوات.
والأدهى أن هذه العقود غير معترف بها قانونياً في تركيا، بل تُعد مخالفة جسيمة للتشريع العمالي، وقد ترقى إلى جريمة جنائية تستوجب الغرامات، والتعويضات، وحتى السجن، لو تم الطعن فيها قضائياً.
وتكشف المعلومات أن توكل كرمان كانت تمتلك القدرة على توقيع عقود رسمية. فعدد من مديري القناة، ومنهم أحمد الزرقة وهناء صالح وعبدالغني الماوري وعبدالله الحرازي، حصلوا على عقود رسمية صادرة عن “بلقيس ميديا”، منحتهم كامل حقوقهم القانونية في تركيا، بما في ذلك إمكانية التقديم على الجنسية. أحمد الزرقة، على سبيل المثال، بات على أعتاب الحصول على الجنسية التركية.
ويبرز هنا التناقض الصارخ: لماذا تم منح الحقوق الكاملة لفئة محدودة من المديرين، بينما استُبعد باقي الموظفين – من فنيين ومراسلين ومذيعين – من هذه المزايا؟
الإجابة، وفق مصادر مطلعة، تكمن في منطق الربح والتكلفة. فالعقود الرسمية تتطلب دفع ضرائب دخل، ورسوم تأمين صحي، وتأمينات تقاعدية، ومقابل إقامات العمل – وهي مبالغ كبيرة على المدى الطويل. وباستخدام عقود “روما ميديا” اليمنية، تمكنت المؤسسة من تحويل هذه التكاليف إلى جيوب إدارتها، على حساب مستقبل موظفيها.
ولإضفاء غطاء شرعي على هذا التصرف، روجت إدارة القناة حجة مفادها أن القانون التركي يُلزم بتوظيف خمسة أتراك مقابل كل أجنبي، وأنهم تجنّبوا العقود الرسمية خشية المخالفة. لكن القانونيين يؤكدون أن الالتفاف على هذا الالتزام عبر عقود وهمية يُعد جريمة أخطر بكثير من عدم الامتثال للنسبة المطلوبة.
والأمر لم يقتصر على تركيا. فحتى في اليمن، لم تُسدّد – على الأرجح – أي ضرائب أو تأمينات اجتماعية عن تلك العقود الموقّعة باسم “روما ميديا”، ما يعني أن الاحتيال استهدف ثلاث جهات دفعة واحدة: السلطات التركية، والسلطات اليمنية، والموظفين أنفسهم.
واليوم، تواجه توكل كرمان تداعيات قانونية متصاعدة. فقد رفع عدد من الموظفين السابقين – بينهم أسامة عادل وفهد سلطان وأسامة الإرياني – دعاوى قضائية في المحاكم التركية، تطالب بتعويضات عن سنوات العمل دون حقوق. ويتوقّع أن تصدر الأحكام قريباً، في سابقة قد تُجبر آخرين على المطالبة بحقوقهم.
وقد يكون قرار إغلاق قناة “بلقيس” بعد أكثر من عشر سنوات من البث محاولةً لطمس الملف قبل أن تتفاقم العقوبات. لكن الحقيقة، كما يراها الموظفون، لا تُخفى: فقد عملوا بجد، وضحّوا بمستقبلهم، ووُضعوا في مواجهة دول عربية بسبب خطابات القناة السياسية، ليُتخلى عنهم فجأة، دون تعويض، ودون خطة انتقالية.
اليوم، لا يطالب هؤلاء سوى بردّ الاعتبار لسنوات من العمل، وتعويض عن حقوقهم المنهوبة – ليس كمنحة، بل كاستحقاق قانوني وحقوقي.