اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

حرب الظل» .. التعاون الاستخباراتي بين الحوثي وأمجد خالد لاختراق الجنوب»

 

النقابي الجنوبي/تحقيق/خاص

ثمة تحوّلٌ أمني صامت يشقّ طريقه في الجنوب، لا يُعلن عن نفسه برصاص، بل بخيوط استخباراتية دقيقة. فقد كشفت مصادر موثوقة عن تشكيل ميليشيا الحوثي جهازًا نسائيًّا جديدًا تحت مسمى «الزهراويات»، بالتنسيق مع ما تُسمّى «المقاومة الوطنية المسلحة» التي يقودها أمجد خالد، قائد لواء النقل السابق الفار من عدن. ويهدف هذا الجهاز، وفق المصادر، إلى تجنيد فتيات من مناطق الجنوب والعربية اليمنية لاختراق الأوساط الاجتماعية والسياسية، وبناء شبكات تجسسية تُدار من صنعاء وعدن في آنٍ واحد، مرتبطة بمراكز تحكم استخباراتية.

المفاجئ أن اليد التي تدير هذه الشبكة لا تنتمي فقط إلى صنعاء. فقيادات نسائية حوثية، إلى جانب أخريات مقربات من أمجد خالد، يتقاسمن الإشراف على العمليات، في مؤشر على تعاون غير مسبوق بين الطرفين. وبحسب اللجنة الأمنية العليا، فإن خالد — الذي حُكم عليه بالإعدام في أبريل 2024 لتورطه في سلسلة اغتيالات وتفجيرات في عدن— يدير شبكة إرهابية مرتبطة مباشرة بقيادات حوثية عليا

التعاون بين الطرفين لم يعد مناورة مؤقتة، بل يبدو جزءًا من خطة أعمق وأطول نفسًا لتوسيع ما يُوصف بـ«الحرب الناعمة» ضد الجنوب. فالتفاصيل المتاحة تشير إلى أن «المقاومة الوطنية المسلحة» ليست سوى غطاء لتمويه أنشطة استخباراتية تستهدف نسيج الجنوب الأمني والمجتمعي، في محاولة لزرع خلايا نائمة داخل مؤسساته المدنية والأمنية. ويؤكد مصدر جنوبي مطلع أن «الهدف ليس التخريب المباشر، بل زعزعة الثقة من الداخل، عبر اختراق العائلات، المؤسسات التعليمية، وحتى المنظمات النسائية».

مسيرة خالد المليئة بالانعطافات تُضفي وزنًا على ما يُروى اليوم. فبعد أن كان قائدًا عسكريًّا بدعم من نائب الرئيس السابق الإخواني علي محسن الأحمر، تحول تدريجيًّا إلى أداة في يد جهات متعددة: بدأ مع حزب الإصلاح، ثم تحوّل إلى مهندس تفجيرات في عدن، قبل أن ينتهي به المطاف في أحضان الحوثيين. وثائق النيابة العامة المتخصصة في مكافحة الإرهاب تثبته وراء سبع عمليات إرهابية، من بينها تفجير مطار عدن الدولي في أكتوبر 2021، واغتيال مدير برنامج الغذاء العالمي مؤيد حميدي في 2023. بل إن تسجيلات مرئية نشرتها شرطة عدن في نوفمبر 2023 تُظهره وهو يوجّه خلايا إرهابية لاستهداف قيادات في المجلس الانتقالي.

لكن خالد لم يكتفِ بما مضى. ففي فبراير 2025، وبعد اعتقاله من قبل قوات موالية للإخوان في التربة، فرّ من السجن بتواطؤ — وفق مصادر أمنية — من حزب الإصلاح نفسه، ليظهر لاحقًا في مقطع مصوّر يهدّد بنشر «توثيقات وتسجيلات» عن اتفاقاته مع قيادات الحزب. تصريحه: «لدي عهود واتفاقات مع الإخوة في حزب الإصلاح، من أكبر كبير إلى أصغر صغير»، لا يُقرأ فقط كمحاولة ابتزاز، بل كدليل على أن شبكاته لا تزال نشطة ومتشابكة مع أطراف رسمية وشبه رسمية.

اللجنة الأمنية العليا، في تقريرها الأخير، لم تكتفِ باتهام خالد، بل كشفت عن ضبط معامل لصناعة المتفجرات، وسيارات مفخخة، وألغام داخل منازل سكنية في الشمايتين بتعز، فضلاً عن استخدام وسائل توثيق مرئية لعمليات الاغتيال. الأهم أن التقرير أشار صراحة إلى «تقديم إحداثيات ومعلومات أمنية حساسة للحوثيين»، ضمن مخطط «لإسقاط المدن من الداخل». هذه التفاصيل ترسم صورة واضحة: الحديث لم يعد عن خلية إرهابية منعزلة، بل عن مشروع استخباراتي متكامل، يستخدم أدوات غير تقليدية — كالتجنيد النسائي — لتحقيق اختراقات طويلة الأمد.

إذا نجح هذا المخطط، فستكون توابعه أبعد من شوارع عدن أو المكلا. فاختراق النسيج المجتمعي في الجنوب قد يُضعف جهود الاستقرار، ويُعقّد أي مساعٍ سياسية مستقبلية. كما أن تداخل الأدوار بين جهات إرهابية، ميليشيات طائفية، وأحزاب سياسية يخلق واقعًا أمنيًّا هلاميًّا، يصعب معه التمييز بين العدو والشريك.

خاتمة

الحرب لم تعد في الخنادق، بل في غرف المعيشة، وفي ثقة الأم بابنتها، وفي ولاء الموظف لمؤسسته. جهاز «الزهراويات»، سواء كان واقعًا مكتملًا أو في طور التأسيس، يمثل تحديًا نوعيًّا للأجهزة الأمنية في الجنوب، ويستدعي استجابة استباقية لا تعتمد فقط على المراقبة، بل على فهم ديناميكيات الحرب الناعمة وآلياتها. والرهان الأكبر الآن ليس على من يمتلك السلاح، بل على من يسيطر على الثقة داخل المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى