د. فيروز الولي تكشف “حين يُقتل الصندوق الأسود.. وتعود السباع لتنهش تعز”

بقلم/ د. فيروز الولي
«حين تصبح العدالة جريمة، يصبح القتلة قضاة».
من دفتر تعز المنهوب.
تخيلوا معي هذا المشهد العبثي:
شابٌ يُتّهم بجريمة قتل بشعة، لديه أوامر قهرية بالضبط منذ أكثر من شهر، يُشوهد يتجول، يتنقل، يكتب تعهدات، ويشرب الشاي مع من يُفترض أنهم مسؤولون عن اعتقاله، ثم فجأة، وبقدرة قادر، يُقتل برصاصة «أمنية» تُسدِل الستار على مسرحية رديئة الإخراج.
أهذا هو العدل؟
لا، هذه الكوميديا السوداء في نسختها التعزية.
الصندوق الأسود.. تم تفجيره
الاسم: محمد صادق المخلافي
التهمة: قتل افتهان المشهري
الوصف: ليس سوى مفتاح صغير لصندوق فسادٍ كبير.
ما قالته افتهان في تسجيل صوتي قبل موتها يكفي لفتح ملف دولة داخل الدولة. قالت إن محمد صادق أخبرها بأن جسار المخلافي هو من يحرّضه. نحن لا نتحدث عن مراهقات عاطفية أو مشاكل جيران، بل عن تحريض على القتل موثق، مسجل، واضح كالشمس… ومع ذلك، كانت الأجهزة الأمنية تمارس طقوس التأمل الصوفي بدلًا من تنفيذ أوامر القبض القهرية.
اليوم؟ قُتل محمد صادق.
أو كما نقول شعبيًا: “اتكسر المفتاح وضاع القفل”.
هل تعرفون لماذا؟
لأنه كان الصندوق الأسود، وكان على وشك أن يُفتح.
تصفية لا اعتقال.. لماذا؟
عزيزي القارئ، لا تكن ساذجًا وتظن أن قتله كان صُدفة.
الأجهزة التي لم تستطع «إيجاده» شهرًا، وجدته اليوم وقتلته في أول محاولة!
كم يلزمك من غباء لتصدق أن هذه مصادفة؟
أو أن الأمن تحرّك فجأة لأن ضميره استيقظ؟
تمت التضحية به لحماية الرؤوس الكبيرة.
تمامًا كما يُرمى كبش الفداء في الجاهلية، لا ليتطهر القوم، بل ليغسل الكبار أيديهم من دمٍ ما زال ساخنًا.
السباع تعود.. وحنفية الفساد تُفتح
من هي افتهان المشهري؟
هي موظفة بسيطة في صندوق النظافة، لم تكن تملك لا رتبة عسكرية ولا حزب سياسي.
كل ما كانت تملكه: ضمير حي ولسان لا يخاف.
وهذا، في تعز اليوم، أخطر من ألف رشاش.
أقفلت “الحنفية” التي كانت تُغذي الكبار.
فجاءوا إليها، لا ليستفسروا، بل ليخرسوها.
والآن؟
عادوا يضحكون، يفتحون الحنفيات من جديد،
يغتسلون بالمال، ويشربون نخب الانتصار على جثتين: جثة افتهان، وجثة محمد.
محافظ تعز.. صمتُك يُدينك
يا محافظ تعز، ماذا عن أوامر القبض القهرية؟
لماذا لم تُنفّذ؟
هل تم تحويلها إلى قسم التجميل بدلًا من قسم التنفيذ؟
هل استبدلتم شرطة تعز بـ”رجال المراسم”؟
وهل كُتب على تعز أن تعيش مراحلها كلها تحت عنوان:
من أمن العقوبة.. قتل؟
النهاية ليست هنا.. بل في السؤال
قتلت أفتهان، ثم قتلتم قاتلها.
من التالي؟
من الذي خطط؟
من الذي تواطئ؟
من الذي وقّع على تعهدات لحمايته؟
من الذي ابتسم حين ذُبحت؟
ومن الذي سيتكفل بكتابة بيان العزاء المقبل؟
تعز لا تبكي فقط على افتهان، بل تبكي على ضميرها.
تبكي على العدالة التي تُقتل في وضح النهار ويُرمى بجثتها في وادي الصمت.
تعز لا تحتاج لجنازات أكثر..
بل لثورة على القتلة الحقيقيين الذين يرتدون بدلات رسمية ويتحدثون عن دولة بينما يُديرون مافيا.