تصفية الصندوق الأسود.. من يطوي ملف اغتيال افتهان في تعز؟

تصفية الصندوق الأسود.. من يطوي ملف اغتيال افتهان في تعز؟
النقابي الجنوبي/خاص
اغتيال افتهان المشهري لم يكن مجرد جريمة جنائية عابرة، بل مشهدًا معقدًا تداخلت فيه السياسة مع الدم، وتحول لاحقًا إلى لغز أشد غموضًا بعد تصفية المتهم الرئيسي. وبينما تتكاثر الشهادات والاعترافات المتضاربة، يظل السؤال الأهم: من المستفيد من إسكات صوت “الصندوق الأسود” في تعز؟
تقرير:
هشام صويلح
رصاصات الغدر في قلب المدينة
في الثامن عشر من سبتمبر الجاري، اهتزت مدينة تعز اليمنية على وقع اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين، افتهان المشهري. ثلاثون طلقة نارية مزقت جسدها أمام المارة في جولة سنان، بعد استدراجها من منزلها عبر اتصال هاتفي. لم يكن اغتيالها مجرد فعل عابر، فهي امرأة عُرفت بمواجهة الفساد وحملت ملفات ثقيلة، وتعرضت قبل مقتلها لتهديدات صريحة من نافذين ذكرت أسماءهم علنًا.
مشهد الجريمة والتواطؤ الأمني
روايات الشهود أجمعت أن منفذي العملية لم يكتفوا بالقتل، بل نهبوا حقيبتها الشخصية وهاتفها. الناشط بن هود الحميري وصف المشهد قائلًا: “أخرجوها من بيتها وأعدموها بثلاثين طلقة… سرقوا حقيبتها ونهبوا حاجاتها بما فيها تلفونها. الذي سرق الحقيبة عسكري حسب الشهود. أين الأمن؟”
هذه التفاصيل كشفت أن الجريمة لم تكن مجرد عمل منفلت، بل عملية منظمة حظيت بغطاء ما.
الصندوق الأسود يُصفّى
اليوم الأربعاء 24 سبتمبر ، أعلنت شرطة تعز مقتل محمد صادق المخلافي، المتهم الرئيسي في اغتيال افتهان. البيان الأمني قال إنه قُتل أثناء مقاومة الحملة الأمنية، لكن الرواية الرسمية واجهت تشكيكًا واسعًا.
رئيس صحيفة الأمناء، عدنان الأعجم، اعتبر أن الأمر إغلاق متعمد للملف: “مقتل محمد صادق المخلافي يعني قتلوا الصندوق الأسود.”
الكاتب رائد العيسي أضاف بحدة: “وصلت الأوامر بسرعة للتخلص منه حتى لا يكشف بلاويهم في تعز.”
اعترافات خطيرة قبل التصفية
قبل مقتله بساعات، ظهر فيديو مسرّب للمتهم المخلافي وهو يكشف تورط قيادات إخوانية بارزة:
“محمد سعيد المخلافي طلب مني تصفية افتهان المشهري، ووعدني بالتواصل مع شقيقه حمود المخلافي لتوفير الدعم المالي. الدافع كان قطع رواتبي لثلاثة أشهر، ومحمد سعيد كان يخشى أن تفضح افتهان جرائمهم.”
هذا الاعتراف وضع جماعة الإخوان في قلب دائرة الاتهام، خصوصًا مع تصريح المتحدث الأمني – قبل أيام – المقدم أسامة الشرعبي الذي قال إن شقيق حمود المخلافي سبق أن أعاق جهود القبض على المتهم.
سلسلة دماء لا تتوقف
اغتيال افتهان لم يكن حالة معزولة. الكاتب مقبل مقرانه أكد: “قضية افتهان ليست الأولى، فقد سبقها جرائم قتل كثيرة في تعز وكان القتلة يجدون الحماية والتغطية من سلطة الإخوان المسيطرين على المدينة.”
الناشط فهد الفهد شدد على أن دماء افتهان فضحت الغطاء السياسي للقتلة: “كشفت دماؤك الزكية حقيقة المتورطين وفضحت من يمدّون القتلة بالغطاء والحماية.”
تصفية بالصوت والرصاص
المشهري لم تكن مجرد موظفة، بل ناشطة حملت ملفات فساد تهدد نفوذ الإخوان داخل مؤسسات تعز. اغتيالها بدا وكأنه تصفية مزدوجة: إسكات صوت فضح الفساد، وتخويف كل من يجرؤ على السير في الطريق نفسه.
ولم يكن قتل المتهم بعدها إلا جزءًا من نفس الاستراتيجية؛ إغلاق الملف ومنع أي تسريبات قد تفضح شركاء الجريمة.
قراءة في المستفيد
كل الخيوط تتجه نحو جماعة الإخوان المسيطرة على مفاصل القرار في تعز، سواء عبر الحماية التي مُنحت للمتهمين، أو عبر التصفية السريعة التي أغلقت القضية. ومع ذلك، يبقى السؤال الأعمق: هل اغتيال افتهان وتصفية قاتلها مجرد تصفية حسابات داخلية، أم انعكاس لصراع أكبر على السلطة والمال والنفوذ في تعز؟
خاتمة مفتوحة
بين دماء افتهان واعترافات القاتل المخلافي وتصفيته، تظل الحقيقة مُغيبة. لكن المؤكد أن اغتيالها لم يكن سوى مرآة لحالة الفوضى الأمنية والسياسية التي تحكم تعز، حيث تتحول الملفات الثقيلة إلى دماء، وتُطوى الحقائق تحت ركام الرصاص.