اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

إعاشات الخارج بالدولار.. وصمود الداخل بلا مقابل

 

كتب / رائد عفيف

في المناطق المحررة، يعيش المواطن تحت ضغط يومي لا يُحتمل: راتب لا يتجاوز 200 ريال سعودي شهريًا بعد تحسن أسعار العملات الأخيرة، انقطاع للكهرباء، نقص في الدواء، وطوابير طويلة للحصول على الماء.  

وفي المقابل، تُصرف آلاف الدولارات شهريًا كمخصصات إعاشة لمسؤولين فارّين في الخارج، لم يخدموا الوطن ساعة واحدة، بينما موظفو الدولة يتضورون جوعًا، وبعضهم بلا راتب منذ ثلاثة أشهر. هذه ليست إدارة دولة، بل نهب منظم وخيانة عظمى بحق الشعب.

لقد هاجم كثيرون، وأنا منهم، المجلس الانتقالي بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية في عدن وباقي مناطق الجنوب، وكان ذلك واجبًا إنسانيًا وأخلاقيًا، لكونه شريكًا في الحكم.  

لكن اليوم، هناك من يتجاهل أي دور إيجابي للانتقالي في تحسين الأوضاع، رغم أنه شريك في المجلس الرئاسي والحكومة.  

علينا أن نضع الخلافات جانبًا، وأن نشجع كل خطوة إصلاحية مهما كان مصدرها. وعلى المجلس الانتقالي أيضًا أن يبذل المزيد من الجهد لمحاربة الفساد.

يُشاع أن قرار وقف صرف الإعاشات بالدولار للمسؤولين في الخارج جاء بتوجيه من رئيس الحكومة الأستاذ سالم صالح بن بريك.  

ويُتداول أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي يعارض هذا القرار.

بدأنا نلمس بوادر إصلاح اقتصادي في جانب سعر صرف العملات الأجنبية، وقد بدأت الأسعار فعليًا في الانخفاض بنسب لا بأس بها بعد هذه الإجراءات، وهي خطوة إيجابية تستحق التشجيع.  

لكن الواقع المعيشي والخدماتي ما زال كما هو، والمعاناة مستمرة.  

نحن على أمل أن تمتد هذه الإصلاحات لتشمل كل جوانب الحياة، من الرواتب إلى الخدمات، ومن الإدارة إلى العدالة. فالإصلاح الحقيقي لا يُقاس بالأرقام فقط، بل بمدى شعور الناس بالكرامة والإنصاف.

كفى صمتًا… كفى مجاملة.  

لماذا تُصرف الإعاشات بالدولار لمن لا يعيش بيننا؟ لمن لا يرى الغبار في المستشفيات أو يسمع أنين الداخل؟ هل هذا عدل؟ هل هذا وطن؟

المواطن الذي يصمد ويواصل العمل رغم الانقطاع هو الأولى بالدعم، لا من اكتفى بالامتيازات من الخارج. حين يُكافأ الغائب ويُهمّش الصامد، تُطفئ الأمل وتكسر الثقة في الدولة.

نحن لا نواجه أزمة مؤقتة، بل إرثًا من الفساد المتجذر، تغلغل في مفاصل الدولة، وأنتج طبقة من المنتفعين الذين لا يرون في الوطن سوى مصدر دخل.  

ولذلك، فإن أي خطوة تُعيد الاعتبار للمواطن وتُوقف الامتيازات غير العادلة ليست مجرد قرار إداري، بل بداية لتصحيح مسار طويل من الإهمال والتراكمات.

نطالب علنًا وبصوتٍ واضح: أوقفوا صرف الإعاشات بالدولار لمن يعيش خارج البلاد. أعيدوا ترتيب الأولويات. ضعوا المواطن أولًا، لا المسؤول الغائب.  

الوطن لا يُبنى بالدولار، بل بالعدالة. ومن غاب، فلا حق له في ما يُنتزع من أوجاع من هم في الداخل.

ما ورد في هذا المقال يعكس رأيًا عامًا، ويهدف إلى تسليط الضوء على معاناة الداخل، دون الجزم أو الاتهام.

زر الذهاب إلى الأعلى