اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
تحقيقات

الاستعمار الاستثماري الجديد.. حينما يتحول “الاستثمار” إلى سلاح ضد الجنوب

النقابي الجنوبي/العميد/عبدالله الحنشي

منذ ثورة 14 أكتوبر 1967 وحتى اليوم، لم تكف القوى المعادية، الرجعية والإمبريالية، عن محاولاتها المستمرة لاختراق الجنوب والسيطرة عليه، رغم كل الهزائم التي تكبدتها. وآخرها كانت في 2015، عندما طردت القوات الشمالية من كل شبر جنوبي.
لكن الهزيمة المباشرة لم توقفهم، بل دفعتهم إلى أساليب استعمارية خبيثة أكثر دهاء وخطورة. هذه المرة، جاؤوا بثوب الاستثمار، بينما في الحقيقة هم يعيدون صياغة الاستعمار بأدوات جديدة: السيطرة على الأرض، والمياه، والإعلام، والتعليم، وموارد البلاد، ولكن عبر وكلاء محليين وواجهة ناعمة اسمها “المستثمر”.
في محافظة أبين، وتحديدا في منطقة السواد بمديرية الوضيع، يجري الآن ما يمكن وصفه بـ”النهب الجائر المنظم”. مستثمرون، كانوا حتى وقت قريب معدمين يبيعون القمامة ويستجدون لقمة العيش، تحولوا فجأة إلى أباطرة زراعة، يمتلكون مئات الأفدنة، وثلاث آبار ارتوازية لكل مزرعة، ومنظومات شمسية تعمل ليل نهار بلا توقف.
السؤال الذي يطرحه أبناء المنطقة: من أين جاء هؤلاء بهذه الإمكانيات الضخمة فجأة؟
الجواب واضح: نظام الفساد الذي ترعرع في ظل الوحدة، وتحالف مع منظمات دولية ومصارف تجارية تعمل لصالح أجندات خارجية، هو من فتح لهم الأبواب، ووفر لهم الدعم الكامل لاحتلال الأرض والماء والهواء.

الحوثيون حاضرون… بأدوات “ناعمة”

لا يمكن إغفال دور مليشيا الحوثي في هذا المشروع الممنهج. قد لا يكون حضورهم ميدانيا بشكل مباشر، لكنهم يتسللون عبر أدوات ناعمة:
دعم صحف ومنصات إعلامية جنوبية بالمال والدعاية لتبييض صورة المشاريع المشبوهة.
اختراق المنظمات الممولة للمشاريع الزراعية والبيئية، بدعم مباشر من محور إيران – الحوثي.
محاولة إغراق السوق الجنوبية بمحاصيل زراعية مسمومة، قادمة من مناطق سيطرة المليشيا، بهدف ضرب الأمن الغذائي، وزيادة الاعتماد على منتجاتهم.
إن ما لا يمكن تحمله اليوم هو أن تحاصر أبين من تحت الأرض بالمضخات، ومن فوق الأرض بالدعاية الحوثية. هذه ليست مصادفة، بل خطة عابرة للحدود.

كارثة بيئية على الأبواب

المشكلة لا تقتصر على الاستحواذ على الأراضي والمياه فقط. هؤلاء “المستثمرون” قاموا بـ:
إحاطة آلاف الهكتارات بـ”شبوك” ومنع الرعاة من استخدام المراعي.
حفر عشوائي للآبار، ما يهدد المخزون الجوفي للمياه في المنطقة والجنوب ككل.

مواد خطرة
استخدام مواد كيميائية وسموم زراعية محرمة دوليا، انتشرت رائحتها حتى القرى النائية، مسببة أمراضا جلدية وفشل كلوي وحالات سرطانية مرعبة.
تلويث المحاصيل مثل الحبحب والطماطم، التي أصبحت مشبعة بالسموم ينتج عنها تغيير معالم الأرض وطمس الطرق والمسارات الطبيعية بين السكان، ما تسبب في نزاعات بين الأهالي.. وكل ذلك يحدث، بينما الصحف صامتة، شبه عميلة، أو مدعومة من قوى معادية مثل الإصلاح، الحوثيين، وجهات دولية متربصة بالجنوب.. الامر الذي يشكل خطرا كبيرا على حياة المواطن الجنوبي وبسبب تلك المواد السامة المسببة للأمراض القاتلة.

مطلوب تحرك جنوبي عاجل

نوجه نداؤنا إلى القيادة الجنوبية وعلى رأسها الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، بضرورة التدخل وفتح ملف هذا “الاستعمار الاستثماري” بكل شفافية، والتحقيق في مصادر تمويله، وفرض الرقابة على نوعية المزروعات والسموم المستخدمة.
كما نطالب قيادة محافظة أبين بإرسال لجان بيئية وزراعية للتحقيق الفوري، وتحديد الإيجارات والمساحات، أو إلغاء العقود وطرد من يعبثون بمستقبل الجنوب تحت لافتة الاستثمار.
هذه معركة جديدة، أشد خطرا من كل المعارك السابقة، لأنها تحدث بهدوء، في الظل، بينما العدو يبتسم باسم “المستثمر”.
لكن الجنوب لن يلدغ مرتين.

زر الذهاب إلى الأعلى