ترامب وبوتين في ألاسكا .. اختبار استراتيجي لمستقبل الحرب الأوكرانية

النقابي الجنوبي/تقرير/السميفع
تحليل مفصل لسيناريوهات القمة المرتقبة بين واشنطن وموسكو
مع اقتراب القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا منتصف أغسطس 2025، تتصاعد التكهنات بشأن مستقبل الحرب الروسية – الأوكرانية، وسط مزيج من التعقيدات العسكرية، الضغوط الاقتصادية، والتوازنات الدبلوماسية على المستوى الدولي. هذه القمة لا تعد مجرد لقاء رئاسي عابر، بل اختبار استراتيجي يضع على المحك سياسات الطرفين وقدرتهما على إدارة النزاع بطريقة تقلل من المخاطر الإقليمية والعالمية.
خلفية الموقف الأمريكي
منذ توليه منصبه في يناير 2025، ركز ترامب على إبراز قدرته على إنهاء الحرب سريعاً إذا توفرت الإرادة السياسية لدى الأطراف المعنية. في الأشهر الأولى، تبنى الرئيس الأمريكي نبرة ودية تجاه موسكو، مع إشارات واضحة لرغبته في فتح صفحة جديدة من العلاقات. لكن منتصف يوليو شهد تحولا مفاجئاً في الخطاب الأمريكي، إذ وافق ترامب على صفقة لبيع أسلحة متطورة لأوكرانيا، وأعلن تهديدات بفرض عقوبات ثانوية على الدول والشركات التي تواصل التعامل التجاري مع روسيا، في محاولة لتعزيز الضغط الاقتصادي على موسكو، إلى جانب تقليص المهلة المحددة لانسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية من 50 يوماً إلى 10 أيام فقط، ما اعتُبر مؤشراً على تشدد غير مسبوق.
التذبذب بين التصعيد والتهدئة
على الرغم من هذه الإجراءات الصارمة، أعلن البيت الأبيض مؤخراً عن ترتيبات لعقد لقاء بين ترامب وبوتين في ألاسكا، مع تسريبات عن مؤشرات أولية لإمكانية التوصل إلى هدنة، في حين لا تزال الخلافات الجوهرية قائمة. هذا التذبذب يعكس استراتيجية مزدوجة يستخدمها ترامب: رفع سقف المطالب قبل القمة، ثم توظيف لغة التهدئة للحفاظ على قنوات الحوار مفتوحة، في محاولة لموازنة القوة العسكرية مع الدبلوماسية الفاعلة.
مساعي بوتين وأهدافه المحتملة
يتوقع أن يسعى بوتين خلال القمة للحصول على تنازلات إقليمية محددة، مع ضمانات تحد من سيادة أوكرانيا، في مقابل تقديم تنازلات محدودة لوقف جزئي لإطلاق النار أو تجميد العمليات العسكرية بعيدة المدى، بهدف إعادة تنظيم قواته وتثبيت السيطرة على الأراضي المحتلة، في وقت تختبر فيه موسكو مدى متانة العقوبات الغربية وتأثيرها على اقتصادها العسكري والسياسي.
السيناريوهات المحتملة للقمة
1) اتفاق هدنة جزئية: يشمل تجميد العمليات العسكرية في مناطق محددة، ما يمنح موسكو فرصة إعادة ترتيب قواتها، بينما تحافظ كييف على السيطرة على مناطق أخرى. رغم ذلك، يبقى النزاع محتملاً مستقبلاً في حالة عدم وجود ضمانات صارمة، مما يجعل أي هدنة مؤقتة مرحلة انتقالية لا أكثر.
2) تنازلات إقليمية مقابل تخفيف العقوبات: قد يحاول بوتين الحصول على تنازلات محددة في شرق أوكرانيا، مقابل تخفيف جزئي للعقوبات أو تسهيلات اقتصادية، في حين تواجه كييف صعوبة قبول هذه الشروط. هذا السيناريو يعكس صراع مصالح معقد بين الأمن الإقليمي وموازين القوة الدولية.
3) فشل القمة واستمرار التصعيد: في حال لم تؤد المباحثات إلى نتائج، من المرجح أن تتصاعد العمليات العسكرية مجدداً، مع احتمالية زيادة الدعم الغربي العسكري لأوكرانيا وتصعيد العقوبات على موسكو، ما قد يطيل أمد النزاع ويزيد الضغوط الاقتصادية والسياسية العالمية.
التوازن بين القوة والدبلوماسية
المحللون يؤكدون أن ترامب يسعى من خلال هذه الاستراتيجية إلى موازنة الضغط العسكري والدبلوماسي، فيما تستخدم موسكو أي هدنة مؤقتة لتعزيز موقفها الاستراتيجي. هذا التوازن الدقيق يعكس حساسية الملف الأوكراني كأداة تفاوضية دولية، ويضع مصير الحرب على الأرض في تبادل مستمر بين القوة والتهدئة.
التداعيات الدولية المحتملة
أي اتفاق أو هدنة قابلة للتمديد بلا ضمانات صارمة قد تمنح موسكو وأوكرانيا فرصة إعادة بناء قدراتهما العسكرية والاقتصادية، مما يزيد احتمالات التصعيد مستقبلاً. وفي المقابل، نجاح القمة وتحقيق تفاهمات محددة قد يفتح المجال لتخفيف التوترات في أوروبا الشرقية، ويعزز فرص استقرار الأسواق العالمية، لا سيما فيما يتعلق بأسعار الطاقة والغذاء.
ختاما
القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين تعد اختباراً حقيقياً لاستراتيجية كل طرف في إنهاء النزاع الأوكراني، وقياس مدى جديته في الحوار والتنازل مقابل الحفاظ على مصالحه الإقليمية. تظل النتيجة غير واضحة، مع بقاء مجموعة من الاحتمالات مفتوحة على كافة الاحتمالات، من هدنة جزئية إلى فشل القمة واستمرار التصعيد، ما يجعلها واحدة من أكثر الأحداث الدبلوماسية حساسية على الساحة الدولية في العام 2025.