هروب المليونيرات من بريطانيا: كيف أصبحت الإمارات الملاذ الآمن للثروات العالمية؟

النقابي الجنوبي – متابعات
تشهد بريطانيا في عام 2025 واحدة من أكبر موجات “الهجرة المالية” في تاريخها الحديث، إذ يستعد نحو 16,500 مليونير لمغادرة البلاد هذا العام وحده، أي بمعدل مليونير واحد كل نصف ساعة تقريبا. هذا الرقم المثير لا يعد مجرد إحصاء مالي، بل يعكس تحولا دراماتيكيا في توجهات النخبة المالية العالمية.
في مقابل هذا النزوح الجماعي، تبرز الإمارات العربية المتحدة كوجهة أولى و”ملاذ آمن” لأصحاب الثروات، بفضل بيئة اقتصادية مستقرة، نظام ضريبي جاذب، وبنية أمنية وتشريعية موثوقة، مما جعلها تنافس أعتى المراكز المالية العالمية.
الضريبة تطيح بالثروة: بريطانيا تطرد نخبتها المالية
ما يحدث في بريطانيا اليوم ليس وليد اللحظة. فخلال السنوات التسع الماضية، غادر أكثر من 47,300 مليونير البلاد، وهو ما أدى إلى تراجع عدد الأثرياء المقيمين من حوالي 593 ألفا إلى 576.5 ألف، بحسب أحدث التقديرات.
السبب الأساسي؟ الضرائب.
فقد بلغت الإيرادات الضريبية في المملكة المتحدة 37% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية، مدفوعة بسياسات مالية صارمة شملت إلغاء إعفاءات ضريبية على الأرباح الخارجية، وإلغاء تأشيرات المستثمرين من الفئة الأولى، ما أغلق أبواب بريطانيا أمام الأثرياء الأجانب وأربك المستثمرين المحليين.
يضاف إلى ذلك تفاقم الوضع الأمني، وارتفاع معدلات الجريمة، وتدهور الخدمات الشرطية، إلى جانب حالة عدم الاستقرار السياسي مع تعاقب خمس حكومات خلال خمس سنوات، ما زرع القلق في نفوس المستثمرين، ودفعهم إلى إعادة النظر في جدوى الاستمرار داخل السوق البريطاني.
سوق عقارات فاخر يترنح
القلق المالي والأمني انعكس على سوق العقارات، خاصةً العقارات الفاخرة التي تعد مؤشرا لثقة الأثرياء. فقد سجّل السوق انخفاضا بنسبة 0.1% خلال شهر واحد فقط، وهي بداية لما يصفه بعض المحللين بـ”تصحيح هبوطي ناعم”، يشي بأن الأيام الذهبية للندن كوجهة استثمار عقاري قد ولت.
الإمارات: من وجهة بديلة إلى مركز مالي عالمي
على النقيض تماما، تسجل دولة الإمارات العربية المتحدة صعودا ناعما وسريعًا على خارطة المال العالمية. فبعد أن استقطبت 13,000 مليونير في عام 2024، تتوقع التقارير انتقال نحو 9,800 مليونير آخر إلى الإمارات خلال عام 2025، ليصل العدد الإجمالي للمليونيرات المقيمين إلى 240,300 شخص بثروات تتجاوز 785 مليار دولار.
الرئيس التنفيذي لشركة Emicapital Group، ألدو جارباجناتي، وهو أحد أقدم المستثمرين المقيمين في الدولة منذ أكثر من عشرين عامًا، يقول إن الإمارات أصبحت “الوجهة الأولى لحماية الثروات وتحقيق الاستقرار العائلي والمالي”، مشيرًا إلى أن أكثر من نصف مليونيرات بريطانيا المهاجرين يختارون الإمارات، ويضخون 62% من ثرواتهم في القطاع المالي.
السر في الوضوح: نظام ضريبي وجاذبية تشريعية
ما يجعل الإمارات تتفوق على منافسين مثل إيطاليا وسويسرا وموناكو، هو توازن نادر بين سهولة الأعمال وحماية الأصول. فالنظام الضريبي لا يفرض ضرائب على الدخل أو أرباح الشركات في معظم القطاعات، والبنية التحتية القانونية والمالية توفر وضوحًا وثقة تجعل من الإمارات خيارا مغريا للمستثمرين.
علاوة على ذلك، توفر الدولة نمط حياة عصريًا عالي الجودة، ما يعزز جاذبيتها كمكان إقامة طويل الأجل، لا مجرد محطة مالية مؤقتة.
خسائر بريطانيا ليست مجرد أرقام
الحديث هنا لا يقتصر على أفراد أثرياء يغيّرون عناوين إقامتهم، بل هو أشبه بعملية “إعادة هيكلة مالية عابرة للحدود”. خروج هذه النخبة من بريطانيا يعني نقل رؤوس أموال، تغيير مواقع الشركات، إغلاق مكاتب عائلية، وتقليص كبير في العوائد الضريبية والاستثمارية التي كانت تعتمد عليها الحكومة البريطانية.
مستقبل المال يتحرك شرقاً
الإمارات لم تعد مجرد ملاذ ضريبي، بل تحوّلت إلى محور مالي عالمي يربط الشرق بالغرب، ويوفر بنية تحتية تستوعب نمو الشركات العائلية، والأفراد ذوي الثروات العالية، وصناديق الاستثمار الخاصة.
في مشهد تتغير فيه مراكز القوة المالية العالمية، يبدو أن أبوظبي ودبي باتتا وجهتي المال الجديد، حيث المرونة، والأمان، والتشريع الذكي، يطغى على الضباب البريطاني الكثيف، ويعيد رسم خريطة الثروات العالمية.