هجمات الحوثيين البحرية تكشف صمت الأمم المتحدة وهشاشة الردع الدولي
بيان غروندبرغ يتجاهل إدانة الحوثيين ويثير تساؤلات عن تفاهمات غامضة

هجمات الحوثيين البحرية تكشف صمت الأمم المتحدة وهشاشة الردع الدولي
بيان غروندبرغ يتجاهل إدانة الحوثيين ويثير تساؤلات عن تفاهمات غامضة
النقابي الجنوبي/خاص
في مشهد متكرر من “القلق الدبلوماسي” الذي لا يتجاوز حدود التصريحات، جاء بيان المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، تعليقًا على الهجمات الحوثية الأخيرة في البحر الأحمر، التي أسفرت عن غرق سفينتين تجاريتين، ووقوع قتلى وجرحى، دون أن يتضمن البيان إدانة صريحة أو توصية بإجراءات رادعة.
ففي 8 يوليو الجاري، استهدف الحوثيون السفينة “إيترنيتي سي”، وهو هجوم تسبب في مقتل وإصابة عدد من البحّارة، بعد يومين فقط من غرق السفينة “ماجيك سيز”، ليؤكد ذلك تصاعد وتيرة التهديد للملاحة الدولية. ومع ذلك، اقتصر بيان غروندبرغ على الإعراب عن “القلق البالغ”، محذرًا من “تزايد المخاطر على الأرواح والاستقرار الإقليمي”، دون تسمية الجهة الفاعلة بشكل مباشر.
هذا التجاهل، وفق مراقبين، ليس مجرد نقص في الصياغة، بل يعكس تحولًا خطيرًا في سلوك المؤسسة الأممية، التي تُفترض فيها الحياد ولكنها تغض الطرف عن انتهاكات تم توثيقها علنًا من قبل جماعة الحوثي. ويقول خبير القانون الدولي محمد البكري إن “البيان الأممي يُظهر خللًا في المعالجة القانونية، إذ يُدين الفعل ولا يُدين الفاعل، ويستند إلى نصوص القانون البحري وقرارات مجلس الأمن دون المطالبة بتفعيلها”.
سياسة “التحذير البيئي” بدل الردع الأمني
من اللافت أن لغة البيان ركزت بشكل لافت على التحذير من “الأضرار البيئية” الناجمة عن الهجمات، بينما تم تجاهل البعد الأمني والعسكري الذي يمثله استهداف السفن التجارية في أحد أكثر الممرات البحرية حساسية. هذا التوجه، بحسب خبراء، يعكس محاولة لتخفيف حدة الموقف الدولي تجاه الحوثيين، وهو ما قد يُفهم كرسالة ضمنية بعدم وجود نية لاتخاذ إجراءات فعلية ضدهم.
ورغم الإشارة العابرة في البيان إلى أن “الهجمات تمثل انتهاكًا للقانون البحري الدولي ولقرار مجلس الأمن رقم 2722″، فإن غياب المطالبة بفرض عقوبات أو حتى الضغط السياسي على الجماعة الحوثية، يجعل من البيان مجرّد “توثيق باهت لحدث خطير”، بحسب تعبير أحد المحللين.
التفاهم مع واشنطن: اتفاق غامض يُضعف الموقف الأممي
ما أثار مزيدًا من الجدل، هو دعوة غروندبرغ إلى “البناء على الاتفاق المبرم مع الولايات المتحدة بشأن وقف الأعمال العدائية في البحر الأحمر”. فرغم عدم إعلان تفاصيل هذا الاتفاق رسميًا، تشير مصادر دبلوماسية إلى وجود تفاهم غير معلن بين واشنطن والحوثيين، يقضي بتخفيض الهجمات مقابل تخفيف الضغوط أو فتح قنوات تواصل.
هذا النهج، كما يراه مراقبون، يحوّل دور الأمم المتحدة من هيئة إشراف دولي محايدة إلى أداة تمرير لتفاهمات أمنية لا تمر عبر القنوات السياسية الشرعية. كما أنه يضعف موقف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ويُهمّش دور الدول الإقليمية المتضررة، التي لم تكن طرفًا في هذا التفاهم.
ويضيف أحد المحللين الإقليميين: “مثل هذه التفاهمات قد تُفهم من قبل الحوثيين كضوء أخضر غير مباشر للاستمرار في تكتيكاتهم العسكرية، تحت مظلة دبلوماسية توفر لهم هامشًا من المناورة”.
صمت الردع وميل ميزان القوة
غياب موقف دولي حازم تجاه الهجمات الحوثية يُنتج أثرًا مضاعفًا، إذ لا يتوقف عند حدود عدم إدانة الفعل، بل يُساهم في شرعنة سلوك الجماعة وتحويلها تدريجيًا إلى طرف “تفاوضي” في ملفات الأمن البحري. وهذا التحول، وإن بدا براغماتيًا في الظاهر، يحمل في طيّاته مخاطر استراتيجية، منها تعزيز موقع الحوثيين كقوة أمر واقع إقليمية، وتعقيد الجهود الأممية لإنهاء النزاع اليمني بطريقة عادلة وشاملة.
ويسأل مراقبون: “هل باتت بيانات القلق والتحذير من التلوث كافية لحماية الملاحة الدولية؟ أم أن الصمت يُمهّد لتسوية جزئية على حساب القانون الدولي ومصالح الشركاء الإقليميين؟”
الحاجة إلى سياسة أممية أكثر حزمًا ووضوحًا
إن ضعف الرد الأممي على هجمات تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي والدولي، يكشف اختلالًا في أولويات المنظومة الدولية، التي تُغلف الحقائق بلغة دبلوماسية مائعة، بدلًا من اتخاذ مواقف واضحة.
التفاهمات الغامضة، وإن بدت حلًا مؤقتًا، إلا أنها تُنتج بيئة محفوفة بالمخاطر، حيث تغيب العدالة ويُكافَأ الفاعل على سلوكه العنيف عبر منحه موقعًا سياسيًا. ما يُظهر الحاجة الملحة إلى تبنّي موقف دولي واضح، ومبادرات قانونية جادة لتفعيل قرارات مجلس الأمن وتطبيق العقوبات، كخطوة ضرورية نحو إنهاء العنف وضمان استقرار المنطقة.