اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
اخبار وتقارير

الإرهاب ضد الجنوب: استهداف منظم برعاية سلطوية منذ 1990 حتى اليوم

 

النقابي الجنوبي/ خاص

من الاغتيالات السياسية إلى المفخخات.. كيف تحوّل الجنوب إلى ساحة مفتوحة للإرهاب المدعوم؟

منذ لحظة ما سُميت بـ”الوحدة اليمنية” عام 1990، لم يكن الجنوب مجرد طرف سياسي داخل كيان مشترك، بل تحوّل تدريجيًا إلى ساحة استهداف ممنهج عبر الإرهاب السياسي والديني والأمني. الكاتب الجنوبي عادل العبيدي يُقدّم في مقاله الأخير سردًا تحليليًا متماسكًا لهذا المسار، كاشفًا كيف تغلغل العنف في مفاصل الدولة اليمنية واستُخدم كسلاح لتصفية الجنوبيين وقضيتهم على مدى أكثر من ثلاثة عقود.

اغتيالات صنعاء: البداية المبكرة للحرب الصامتة

بحسب العبيدي، فإن أولى بوادر الإرهاب بدأت بشكل مبكر، بعد إعلان الوحدة، عبر اغتيالات صامتة طالت كوادر وقيادات جنوبية داخل صنعاء. كانت تلك العمليات تنفّذ من تحت عباءة السلطة، وتتمتع بحصانة قبلية وعسكرية ودينية تمنع ملاحقة منفذيها. ليس هذا فحسب، بل كانت حتى الاتهامات تُجرَّم إذا ما وُجهت لتلك القوى النافذة، ما يدل على غطاء سلطوي كامل يوفّر الحماية السياسية والإعلامية والدينية للإرهاب.

1994: العدوان العسكري كذروة الإرهاب السياسي

في صيف 1994، شنّت صنعاء حربًا شاملة ضد الجنوب، وهو الحدث الذي يُصنّفه العبيدي كـ”أكبر جريمة إرهابية في التاريخ المعاصر ضد الجنوبيين”. العدوان العسكري الذي اتتهاء باحتلال الجنوب في 7 يوليو لم يكن مجرد معركة، بل لحظة تأسيس لبنية سلطوية قمعية، سُمِح فيها بمصادرة الأرض والثروة، وتعميم الممارسات العنيفة تجاه كل ما هو جنوبي. هذه الحرب، بحسب الكاتب، كانت الشرارة التي أطلقت حقبة طويلة من الإرهاب المقنّن.

إنتاج الإرهاب في المعاهد: “دُعاة” الحرب ضد الجنوب

من أخطر ما يطرحه العبيدي في مقاله هو الربط بين المؤسسات الدينية الرسمية في صنعاء، من جامعات ومعاهد، وبين الخطاب التكفيري الذي استُخدم ضد الجنوب. يشير إلى أن هؤلاء “الدعاة” كانوا يتنقلون إلى الجبهات لتحريض الجنود اليمنيين على قتال الجنوبيين، معتبرين ذلك “جهادًا مشروعًا”. هذا التوصيف الديني شكّل، في الواقع، غطاءً فكريًا للعدوان، وساهم في بناء هوية إرهابية ترى في الجنوب عدوًا وجوديًا، لا شريكًا سياسيًا.

2007 وما بعدها: من الحراك السلمي إلى تفجيرات القاعدة

مع انطلاق ثورة الجنوب السلمية في 2007، عاد الإرهاب بوجه جديد، هذه المرة عبر جماعات مثل القاعدة وداعش وأنصار الشريعة، والتي بدأت تنشط في محافظات جنوبية. يؤكد العبيدي أن هذه الجماعات ارتكبت سلسلة من الاغتيالات طالت نشطاء الحراك السلمي، إلى جانب سيطرتها على بعض المدن لفترات مؤقتة، والقيام بأعمال تقطع ونهب، وكأنها طُوّرت خصيصًا لتشويه صورة الثورة الجنوبية وتشتيت قاعدتها الشعبية.

اللافت أن هذا الإرهاب لم يكن معزولًا، بل استمر في العمل ضمن نفس مناخ الحماية السابق: تجاهل رسمي، غض نظر إعلامي، وتبرير ديني عبر منابر المساجد التي كانت تصف الثورة الجنوبية بـ”الفتنة” أو “التمرد على ولي الأمر”.

صعود الانتقالي وتكثيف العمليات الإرهابية في عدن

مع تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي وتأسيس القوات الجنوبية في عدن، تحوّلت العاصمة إلى مركز صراع مباشر مع الإرهاب. يوثّق العبيدي أن هذه المرحلة شهدت سلسلة من العمليات الانتحارية والتفجيرات المفخخة استهدفت قيادات المجلس ونقاط الأمن، إلى جانب اغتيالات ممنهجة لأئمة وخطباء وناشطين مدنيين.

كان الهدف واضحًا: ضرب الاستقرار الأمني، وخلق حالة من الشك في قدرة الكيان الجنوبي الوليد على إدارة العاصمة. لكن، كما يوضح الكاتب، فإن الجنوب واجه هذه الهجمة بثمن باهظ من الشهداء والجرحى والتضحيات الأمنية، في سبيل تثبيت الأمن ومواجهة الإرهاب متعدد الأذرع.

أمجد خالد.. مجرد نموذج لخلايا السلطة العميقة

يؤكد العبيدي الإرهابي أمجد خالد، الذي نفذ عمليات تخريبية واغتيالات في عدن ليس سوى نموذج مكرر لعشرات الخلايا التي نمت داخل مؤسسات الدولة اليمنية، تحت الحماية السياسية والدينية والإعلامية نفسها.

المثير أن هذه الخلايا غالبًا ما تظهر في الجنوب، وتختفي حينًا في الشمال، ما يعيد إنتاج السؤال الجنوبي العميق: لماذا يكون الإرهاب دائمًا موجَّهًا نحو الجنوب فقط؟ ومن يقف وراء توزيعه الجغرافي والسياسي بهذه الطريقة الانتقائية؟

المظلة الثلاثية: سلطة + منابر + إعلام

العبيدي لا يكتفي بسرد الأحداث، بل يُقدّم تحليلًا لبنية الحماية التي أبقت الإرهاب نشطًا طوال العقود الماضية. يوضح أن هذه البنية تتكوّن من ثلاث مظلات متكاملة:

1. الحماية السياسية والعسكرية السلطوية التي تمنع محاسبة المجرمين.

2. الدعم الديني والإفتائي من منابر وجماعات دينية تعطي الغطاء الشرعي للعنف.

3. آلة إعلامية ضخمة تبرر الإرهاب وتشوّه الضحية وتتهمها بالعمالة أو التمرد.

هذه “الثلاثية السوداء” – كما يمكن تسميتها – تُفسّر كيف نجح الإرهاب في التمدد رغم كل التغيرات السياسية والعسكرية.

الجنوب في المواجهة: معركة أمن وهوية

رغم فداحة ما واجهه الجنوب، يرى العبيدي أن مقاومته للإرهاب لم تكن فقط معركة أمنية، بل معركة هوية وكرامة سياسية. فكل جريمة اغتيال كانت تستهدف مشروع الدولة الجنوبية، وكل تفجير كان يهدف إلى نسف الاستقرار السياسي لصالح قوى الاحتلال اليمني.

لقد قدّم الجنوبيون في كل مرحلة شهداء، لا فقط في ميادين المعارك، بل أيضًا في مقرات المقاومة السلمية، ليُثبتوا أن الجنوب ليس أرضًا مستباحة بل جبهة صلبة في وجه كل مشاريع الإرهاب.

الإرهاب لم يكن طارئًا بل وظيفة سياسية ضد الجنوب

ما تكشفه رحلة الإرهاب ضد الجنوب، كما يراها العبيدي، لا يدع مجالًا للشك أن ما جرى طوال ثلاثة عقود لم يكن مجرد أحداث متفرقة أو تهديدات عارضة، بل وظيفة سياسية ممنهجة أوكلت إلى أدوات منظمة داخل الدولة اليمنية. فالإرهاب لم يولد من الهامش، بل خرج من صلب المؤسسة، بقرار سياسي وتغليف ديني وتبرير إعلامي.

ومن هذا المنظور، فإن أي رهان على أن الإرهاي، هو وهمٌ خطير. فالأدوات قد تتغير، والخطاب قد يلين، لكن جوهر الاستهداف باقٍ. الجنوب لا يواجه أشباحًا، بل منظومة قائمة تُعيد إنتاج نفسها في كل مرحلة، عبر خلايا نائمة أو عبر تحالفات ظاهرها سياسي وباطنها تخريبي.

إن المعركة ضد الإرهاب في الجنوب، كما يختتم العبيدي، ليست أمنية فقط، بل وجودية. هي معركة على الذاكرة، على العدالة، وعلى الحق في أن نعيش في وطن لا يكون أمنه مرتهنًا، ولا دم أبنائه مباحًا، ولا قراره مرهونًا برغبات شبكات تتقن القتل باسم الدين أو باسم الوحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى