في يومه العالمي.. البهاق يُعرّي الأساطير الطبية والاجتماعية

النقابي الجنوبي/خاص
يُصادف 25 يونيو من كل عام اليوم العالمي للبهاق، مناسبة صحية وتوعوية تهدف إلى كسر الصور النمطية التي ارتبطت طويلًا بهذا المرض الجلدي، وتقديم الحقائق العلمية التي تسهم في إنهاء الوصمة الاجتماعية المحيطة به. وقد اتخذت الحملة العالمية لعام 2025 شعارًا لافتًا هو: “الابتكار لكل بشرة، مدعوم بالذكاء الاصطناعي”، في إشارة إلى التقدّم الذي بات يرافق تشخيص البهاق وعلاجه باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وبهذه المناسبة، سلطت منصة “HT Lifestyle” الضوء على أبرز المفاهيم الخاطئة المرتبطة بالبهاق، بالاستعانة بآراء الخبراء والمختصين الذين أكدوا أن فهم المرض علميًا هو الخطوة الأولى نحو دعم المصابين ودمجهم في المجتمع.
بين البهاق والجذام.. تمييز علمي لا اجتماعي
من أبرز الأساطير المنتشرة، وفق ما أوضحه الدكتور مانيش شاه، استشاري أول في أمراض الجلد لدى الأطفال بمستشفى نارايانا هيلث SRCC في مومباي، هي الربط بين البهاق ومرض الجذام، لدرجة أن البعض يصف البهاق بأنه “الجذام الأبيض”.
لكن الحقيقة العلمية، كما يشير شاه، أن الجذام مرض بكتيري معدٍ يصيب الجلد والأعصاب، وقد يؤدي إلى فقدان الإحساس وتشوهات دائمة إن تُرك دون علاج، في حين أن البهاق هو مرض مناعي ذاتي غير معدٍ، ناتج عن مهاجمة الجهاز المناعي للخلايا الصبغية المسؤولة عن لون الجلد.
المرض ليس معديًا.. و”الطعام” لا يسببه
يؤكد الدكتور شاه أيضًا أن الاعتقاد الشائع بأن البهاق ينتقل باللمس أو مشاركة الطعام خاطئ تمامًا. المرض لا يُعدي ولا يشكل خطرًا على من يقترب أو يتعامل مع المصابين به. ويُضاف إلى ذلك خرافة أخرى تتمثل في الربط بين النظام الغذائي والإصابة بالمرض، حيث يمتنع البعض عن تناول الأطعمة البيضاء أو الجمع بين الحليب والأطعمة الحمضية.
لكن العلم يحسم الأمر: لا يوجد دليل طبي يدعم أن نوعية الطعام تُسبب البهاق، بل إن التوازن الغذائي يدعم صحة الجلد عمومًا، دون تأثير مباشر على مسببات المرض.
الوراثة.. نسب احتمالية لا حتمية
يُعتقد على نطاق واسع أن البهاق مرض وراثي بالكامل، ما يخلق حواجز اجتماعية أمام الزواج والإنجاب للمصابين به. إلا أن الدراسات تُظهر أن الخطر الوراثي لا يتعدى 10٪ في حال كان أحد الوالدين مصابًا، بينما لا تتجاوز نسبة الإصابة العامة 2٪. أي أن العامل الوراثي ليس قدرًا حتميًا، بل أحد المؤثرات المحدودة.
قابل للعلاج.. بشرط الاكتشاف المبكر
الخرافة الأخطر التي تسهم في تثبيط المصابين وإحباطهم هي الاعتقاد بأن البهاق لا يُعالج. وهنا، يوضح الدكتور شاه أن العلاجات المتاحة تشمل الأدوية الموضعية والعلاج الضوئي، بالإضافة إلى بعض التدخلات الجراحية، وجميعها قد تُحدث نتائج ملموسة إذا بُدئ بها في وقت مبكر.
ويُحذر في الوقت ذاته من أن التأخر في العلاج قد يؤدي إلى تدمير الخلايا الصبغية، مما يصعّب عملية إعادة التصبغ لاحقًا.
نماذج مُلهمة.. من رامي جمال إلى لوجينا صلاح
من جهة أخرى، يواصل عدد من الشخصيات العامة تقديم نماذج إيجابية تُحارب التنمر وتدعم التوعية. فالفنان المصري رامي جمال، المصاب بالبهاق، يعتزم طرح أغنيات جديدة تُعبّر عن تجربته مع المرض، مؤكدًا أن البهاق ليس نهاية الحياة.
وفي الجانب الآخر، برزت الشابة لوجينا صلاح التي تخوض مسابقات ملكات الجمال متحدية البهاق والنظرات السلبية، لتصبح مصدر إلهام لكثيرين.
الذكاء الاصطناعي.. أداة جديدة في التشخيص والعلاج
تتجه الابتكارات الطبية نحو الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحليل صور الجلد والتنبؤ بأنماط المرض، ما يفتح آفاقًا لتشخيص أكثر دقة وخطط علاجية مخصصة. وهذا ما جعل من الذكاء الاصطناعي محورًا رئيسيًا في حملة 2025 لليوم العالمي للبهاق.
الختام: التوعية هي العلاج الأول
لا يزال البهاق مرضًا تحيط به الأساطير أكثر مما تحيط به المعرفة. وبينما يواصل العلم مهمته في فك شيفرات المرض، تبقى مهمة المجتمعات في دعم المصابين ورفض التنمر وتفكيك الصور النمطية ضرورة لا تقل أهمية عن العلاج الطبي. فالمعركة ضد البهاق لا تُخاض بالأدوية فقط، بل بالكلمة الواعية والنظرة المتفهمة.