في ظل غياب دور فعلي لرئيسي مجلسي القيادة والحكومة.. العاصمة عدن تعاني بؤسا ووجعا وتشهد انهيارا اقتصاديا وخدميا مريعا

النقابي الجنوبي/خاص
في حقبة هي أسوأ المراحل التي مرت على مدى عشر سنين يحاك على العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية مؤامرة لم يسبق أن عاشتها يوما قبل تحقيق الوحدة الإجبارية تبدع قوى الشرعية اليمنية في اختلاق الأزمات في الجنوب لخنق المواطن وتشكيل بؤرة توتر في الشارع الجنوبي وتحريض أبناء الجنوب ضد المجلس الانتقالي ومشروعه في استعادة دولة الجنوب العربي لإخضاعه بالعدول عن العهد الذي قطعه على شعبه بتقرير المصير.
تسعى القوى اليمنية في الشرعية جاهدة بكل إمكانياتها – في خطوة تتبرأ فيها من التزاماتها – إلى زرع العثرات وتدمير البنى التحتية وافتعال الأزمات في المحافظات الجنوبية للضغط على المجلس الانتقالي فأجمعت كيدها من خلال وضع جميع مساوئ الإدارة وسوء الخدمات وإخراج كهرباء العاصمة عدن عن الخدمة وانهيار العملة وتأخير رواتب الموظفين وتفعيل مؤشر الإرتفاع الفاحش للأسعار في المواد الغذائية ومنتجات الأدوية والمستشفيات ووقود السيارات البترول وغاز الطبخ وأبسط الخدمات الأساسية التي يحتاجها وتكريس تردي الأوضاع في مشهد لم تعرفه العاصمة عدن قط على مدى حقبة السنين الفائتة لترسو رحالها بكل ثقلها هذا العام فتوقف عقارب الساعة وتعلن إنجازها العظيم في الفشل الذريع عبر إنتاج الإنهيار التام في كل قطاعات الخدمات الحيوية للعاصمة عدن لإثارة الرأي العام والشارع الجنوبي – الذي يطمح لاستعادة دولته – ضد المجلس الانتقالي باعتباره حامل قضية شعب الجنوب وتصب جم غضبها في انتقامها من الشعب حتى يخضع المجلس لإملاءات الشرعية اليمنية للقبول بخارطة الطريق اليمنية والتنازل عن القضية.
منذ عام مضى والأوضاع المعيشية في العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية تزداد سوء وتفاقما في صورة تأخذ منحى محاربة المواطن في احتياجاته الضرورية وزيادة أعباءه وإغراقه في بحر من الديون والهموم وإشغاله عن قضيته الأساسية بقضايا حياته اليومية في ظل غياب أي موقف أو تحرك فعلي من رئيسي مجلسي القيادة والحكومة أو حتى الدول الرباعية الداعمة للشرعية اتجاه هذا الانهيار الكبير وانتشال الشعب من سوء ما عملته أيديهم وإخراجه من الوضع الراهن المأزوم.
هناك جدل دائم وتنام في الصراع بين رئيسي مجلسي القيادة والحكومة لا يجد سبيلا إلى الحل بل يزداد تعقيدا ما يجعل التنسيق والتعاون بين المؤسسات الحكومية أمرا بالغ الصعوبة نتيجة محاولة كل منهما تعزيز موقعه في السلطة والاستحواذ على مقدرات البلد.
يتساءل الكثير من المتابعين عن أسباب فشل الودائع الخارجية في إنقاذ العملة المحلية؟ وعن دور الساسة في إحداث إصلاحات حقيقية؟
ومن الجهة المنوط بها محاسبة رئيسي مجلسي القيادة والحكومة في إخفاقهما وفشلهما في توفير الخدمات الأساسية واستقرار الوضع الاقتصادي والمعيشي؟
على مدار أكثر من عقد من الزمن لم يجد المواطن سوى وعود الحكومات المتعاقبة بإجراء إصلاحات اقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية إلا أن المؤشرات الحالية تؤكد استمرار الأزمة دون حلول ملموسة ما يزيد من حالة السخط الشعبي ويدفع بالمواطنين إلى التعبير عن استياءهم عبر منصات التواصل الاجتماعي وفي الشارع الجنوبي متسلحين بوعي كامل واطلاع واف بخصمهم وعدوهم المتمثل في الشرعية اليمنية المتحكمة بمفاتيح الاقتصاد واحتكار الأموال.
ويرى محللون اقتصاديون رغم اعتماد البنك المركزي بعدن منذ أكثر من عامين على آلية المزادات العلنية لبيع العملة الأجنبية كإحدى أدواته لمواجهة تدهور قيمة الريال اليمني لضبط سوق الصرف وتوفير الدولار للمستوردين بأسعار مستقرة بعيدا عن المضاربات في السوق السوداء إلا أن سعر الصرف لم يشهد تحسنا يذكر، بل سجل تراجعا إضافيا أثر بشكل مباشر على أسعار السلع الأساسية في الأسواق المحلية، كما أن كثير من الدولارات التي يتم ضخها عبر المزادات لا تصل إلى المستوردين الفعليين، بل يتم إعادة تدويرها في السوق الموازية ما يعيد الضغط على سعر الصرف في ظل ضعف الرقابة على تدفقات الأموال.
ودائع المملكة العربية السعودية قدرت بمليارات الدولارات لدعم البنك المركزي دون جدوى ودون أن تسهم هذه الأموال في استقرار سعر الصرف وتمويل استيراد السلع الأساسية بل إن الأسعار في السوق المحلية واصلت ارتفاعها ولم تنجح في تحقيق النتائج المرجوة مما يثير تساؤلات حول مدى فاعلية استخدام هذه الودائع.
على إثر ذلك نجد أن ما يضعف الإستفادة من الودائع في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتوازن سعر الصرف هو عدم إنفاقها في أبوابها في دعم استيراد السلع الأساسية حيث يتم تحويل مسار هذه الأموال لسد عجز ميزان المدفوعات أو تسديد التزامات أخرى منها رواتب بالعملة الصعبة لفئة الشرعية اليمنية التي تقبع في فنادق الرياض ورواتب أولادهم مما يؤثر سلبا على استقرار السوق وأي محاولات لتعزيز قيمة العملة المحلية..
الدعم الخارجي قد يخفف الأزمة مؤقتا إلا أنه ليس حلا طويل الأمد ما لم يتم تنفيذ إصلاحات اقتصادية وهيكلية حقيقية لذا فإن تأثير الودائع سيظل محدودا، وسرعان ما تتلاشىء فائدتها.
لتحقيق استقرار اقتصادي وإيجاد حلول فعالة للخروج من الأزمة المفتعلة وتحسين الأوضاع يتطلب ضرورة إعادة تقييم سياسات البنك المركزي وآليات استخدام الدعم الخارجي وإيقاف الرواتب الازدواجية بالعملة الصعبة تحت مسمى (إعاشة) لجماعة الشرعية اليمنية في الرياض ومن منهم في العاصمة عدن وتشديد الرقابة على سوق الصرف للحد من المضاربة وضمان وصول العملة الأجنبية إلى المستوردين الحقيقيين وإحداث إصلاحات اقتصادية فعلية تشمل تحسين الإيرادات المحلية وترشيد الإنفاق العام لتقليل الاعتماد على الدعم الخارجي إضافة إلى تعزيز الشفافية في استخدام الودائع لضمان توجيهها إلى القطاعات الأكثر احتياجا مثل استيراد الغذاء والوقود.
يبقى معالجة الأزمة الإقتصادية وتدهور سعر الصرف مرهون بإصلاحات أعمق تتجاوز الحلول المؤقتة إذ إن استمرار المزادات وضخ الودائع دون سياسات اقتصادية فعالة لن يؤدي إلا إلى مزيد من التدهور.
أستاذ الصحافة والاعلام في جامعة عدن د. صدام عبدالله قال في مقال “تعاني محافظات الجنوب عامة وعدن خاصة من انقطاعات متكررة للكهرباء والمياه، وارتفاع في الأسعار، بسبب التدهور المتسارع لاسعار الصرف وهذه الظروف الصعبة أدت إلى خروج احتجاجات سلمية تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية وجميعنا نؤيد ونطالب بتحسين الاوضاع لأن المواطن وصل إلى مرحلة يصعب تحملها. وفي نفس الوقت يتفهم ويدعم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يمثل تطلعات الشعب الجنوبي هذه المطالب، يؤكد على أنها محقة وضرورية، ويعمل جاهدا لإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلات”.
وأضاف د. صدام “لكن في خضم هذه الأزمة يجب الحذر والتنبه من وجود مجاميع تحاول استغلال غضب الشعب لتحقيق أهدافها الخاصة، هذه المجاميع التي يشتبه في ارتباطها بمليشيات الحوثي تسعى لجر عدن إلى الفوضى والعنف، خدمة لأجندة الحوثي التي لم تستطع تحقيقها عسكريا في جبهات القتال. حيث تم رصد عناصر مندسة في الاحتجاجات الشعبية الحقوقية تحمل شعارات غريبة وتطلق تصريحات مشبوهة، مما يؤكد ان ليس هدفها المطالبة بحقوق الشعب وتحسين الأوضاع وانما تستغل الظرف وتحقق مخططها لجر الجنوب إلى الفتنة.
في ضوء ذلك كشف مراقبون أن الشرعية اليمنية في الشرعية أضعف بكثير من أن ترسم سياسات اقتصادية وخططا تنموية مشيرين إلى أن الصراع بينها يدور في حقيقته على المصالح الشخصية والمكاسب النفعية وتستخدم المؤسسات الحكومية كأدوات لتنفيذ أجندتها الأمر الذي ينتج عنه تعطيلا لتلك المؤسسات وتوقفا للمشاريع التنموية والخدمية وإعاقة للخطط والاستراتيجيات في مواجهة الآثار الكارثية للوضع الاقتصادي والانهيار المالي. فالكهرباء على سبيل المثال هي أولى ضحايا الصراعات حيث حذرت مؤسسة كهرباء عدن مرات عدة أنها على وشك التوقّف كليا عن تزويد المواطنين بالتغذية الكهربائية ووجهت نداء إنسانيا إلى قيادتي المجلسين الرئاسي والحكومة في مناشدتهما بضخ النفط الخام إلى “محطة الرئيس” في عدن قبل توقفها الأمر الذي سيؤدي إلى انقطاع تام للكهرباء ما سيفاقم معاناة المواطنين في ظل الأوضاع الصعبة التي تواجهها المدينة دون أن تجد أذانا صاغية.
في موازاة ذلك حذرت نقابة الصرافين الجنوبيين في بيان لها من استمرار تدهور قيمة الريال المحلي بعدما تجاوز سعر الدولار السقف المخيف وقالت:
“نقابة الصرافين الجنوبيين
تصدر بيانها رقم (27) لقد تجاوز سعر الدولار الواحد مقابل الريال اليمني (2300) يجب توقيف بيع المزادات في البنك المركزي الذي يستفيد منها الهوامير وتجار الحروب من وقت ماتم بدء البيع في المزادات من قبل فترة والعملة تنهار يوما بعد يوم إننا نعيش تحت أسوأ حكومة واسوأ مجلس رئاسي على مر العصور، حيث الفساد وانعدام الشفافية يمارسان دورا رئيسيا في حياتنا اليومية.
نرى كيف تآكلت المؤسسات الحكومية وكيف يتم إهمال حقوق المواطنين بشكل متواصل.
من الصعب تحمل مستوى الظلم والاستبداد الذي يعاني منه الناس يوما بعد يوم.
نحن بحاجة ماسة إلى تغيير جذري يعيد الكرامة والعدالة لهذا الشعب المظلوم.
نأمل من جميع القادة سماع صوت الشعب والعمل بجدية على تلبية تطلعاتهم وتحقيق آمالهم في مستقبل أفضل. لنكن جميعا بمثابة دعامات للتغيير الإيجابي والبناء، ولنعمل معا نحو إقامة حكومة تخدم المصلحة العامة بأمانة واستقامة”.
يستنتج مما يدور أن جميع القوى السياسية اليمنية تولت مسؤولية أكبر من حجمها وتشتغل وفق جماعات متنافسة بأياد خفية تعيش نوعا من الدراما السياسية وتستثمر إطالة الصراع لأجل أهداف استراتيجية للسيطرة الكاملة على خيرات وقرار البلاد مما يستلزم محاسبتها وإخضاعها للمساءلة القانونية.