الإخوان واستقطاب شباب فرنسا.. «تمدد صامت» يضغط على الهوية الوطنية

النقابي الجنوبي / العين الإخبارية
تحركات إخوانية تستهدف شباب فرنسا عبر مساع للتغلغل ضمن الجامعات والجمعيات والنشاطات الثقافية والدينية تحت غطاء العمل الاجتماعي والديني.
وتهدف هذه الاستراتيجية المثيرة للقلق إلى تشكيل أجيال متأثرة بأيديولوجية الجماعة، ما يثير مخاوف من زعزعة البنية الاجتماعية وإضعاف قيم الانتماء المدني
وحذر خبراء من ترك الحكومة الشباب فريسة لأفكار الإخوان التي يمكن أن تؤدي إلى خلق شبكات موازية تتجاوز الرقابة الرسمية، ما يعيد إنتاج أنماط التطرف السياسي والاجتماعي التي شهدتها دول أخرى، ويضع فرنسا أمام تحديات أمنية واجتماعية مستمرة.
مشروع سياسي يعمق الانقسام
وأكد باحثان في شؤون التنظيمات المتطرفة، في حديث خاص لـ«العين الإخبارية»، أن التنظيم يستغل فراغًا هوياتيًا ومعيشيًا تشهده الأحياء الفرنسية، ويوظّف خطابًا يبدو معتدلًا في ظاهره لكنه يخفي مشروعًا سياسيًا عابرًا للحدود يعمّق الانقسام داخل المجتمع الفرنسي.
وقالت أستاذة علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون في باريس، جوسلين سيساري، لـ«العين الإخبارية» إن تحركات الإخوان نحو فئات الشباب المسلم في فرنسا نتيجة مباشرة لفشل الدولة والمجتمع في توفير مساحات هوية اندماجية متوازنة.
وأشارت إلى أن الإخوان يعملون على استغلال هذا الفراغ الهوياتي عبر إنتاج خطاب يُشعر الشباب بأنهم جزء من جماعة عالمية مظلومة، ويقدّم لهم سردية تبسيطية تضعهم في مواجهة «مجتمع معادٍ»، موضحة أن هذا النموذج يسمَّى «سياسات الهوية الدينية التعويضية».
وحذّرت سيساري من أن الإخوان يعتمدون في أوروبا على استراتيجية ناعمة تقوم على العمل الثقافي والاجتماعي قبل السياسي، ما يجعل تحركاتهم لتجنيد الشباب «غير مرئية» في البداية لكنها قابل للتحول إلى فعل جماعي منظم.
ولفتت إلى أن هذا النمط يؤدي إلى خلق جيوب مجتمعية مغلقة تتبنّى تصورًا خاصًا عن الإسلام، منفصلًا عن السياق الجمهوري الفرنسي، بل ومتصادمًا معه أحيانًا.
وأكدت الباحثة أن الخطر الأكبر يكمن في قدرة التنظيم على تقديم خطاب «معتدل ظاهريًا» يخفي خلفه مشروعًا سياسيًا شموليًا، وهو ما يجعل الشباب يعتقدون أنهم يدعمون حركة «حقوقية» أو «إصلاحية»، بينما هم عمليًا يدخلون في دائرة نفوذ سياسية عابرة للحدود.
وبالنسبة لسيساري، فإن هذا النوع من التنظيمات يساهم في إعادة إنتاج الانقسام الاجتماعي والديني بدلا من تخفيفه.
وتؤكد ضرورة مواجهة مزدوجة: الأولى عبر سياسات إدماج أكثر فاعلية تمنع وقوع الشباب في سرديات الضحية، والثانية عبر حزم قانونية في مراقبة الأنشطة التي تتخذ من العمل الديني غطاءً لمشاريع سياسية.
واعتبرت أن الإخوان في فرنسا يستفيدون من هشاشة المؤسسات الدينية الرسمية، ما يجعل مواجهتهم ليست أمنية فقط، بل تربوية وفكرية أيضًا.
ضعف البدائل
بدوره، قال أوليفييه روا، أستاذ العلوم السياسية الفرنسي المتخصص في التنظيمات المتطرفة، لـ«العين الإخبارية» إن الإخوان يقدمون نموذجًا مضلِّلًا للشباب المسلمين.
ورأى أن التنظيم يستخدم خطابًا قائمًا على تقديم نفسه ممثلًا للإسلام «الأصيل»، بينما هو في الواقع حركة سياسية تتلاعب بالدين وتقدّمه في قالب أيديولوجي منفصل عن متطلبات العيش في مجتمع ديمقراطي.
وأشار إلى أن الإخوان في فرنسا لا يملكون مشروعًا دينيًا فحسب، بل يسعون إلى بناء مجتمع موازٍ قائم على مؤسسات وجمعيات تعيد تعريف المواطنة على أساس الانتماء العقائدي بدل الانتماء للجمهورية.
واعتبر أن ذلك يتناقض مع مبادئ العلمانية الفرنسية، ويقود إلى خلق جيل لا يرى نفسه جزءًا من الهوية الوطنية، بل من حركة إسلامية عالمية لها أولوياتها السياسية الخاصة.
وأشار “روا” إلى أن تنامي الظاهرة يرجع إلى ضعف البدائل الحكومية وغياب المرجعيات الدينية المحلية، وفشل السياسات الاجتماعية، وشعور جزء من الشباب بتهميش مزدوج.
وأكد أن التنظيم «مضلِّل»، لأنه لا يقدم حلولًا واقعية لتحديات الاندماج، بل يعمّق الفجوة ويحوّل الشعور بالهوية إلى رأسمال سياسي تُوظّفه الحركة في صراعاتها الدولية، مشدد على أن الإخوان في أوروبا لا يمثلون الإسلام، ولا يشكّلون مشروعًا حداثيًا، بل يعيدون إنتاج أزمة سياسية قديمة بنسخة رقمية موجهة للشباب عبر وسائل التواصل.
ورأى أن المبالغة في تصويرهم كضحايا تمنحهم بعض التعاطف، وأن التصدي لهم يتطلب دعم مؤسسات إسلامية محلية مستقلة عن النفوذ السياسي الخارجي، إضافة إلى استراتيجيات تربوية تكشف للشباب حقيقة المشروع الأيديولوجي الذي تقوده الجماعة.